د. منار الأنصاري تكتب ” مضى عشرون يومًا ”

منار الانصاري

د. منار الأنصاري

مضى عشرون يومًا .. لم أتكيّف تمامًا بعد .. لازلت أتوقف بُرهة حين أبصر الإعلان الذي يُلقّبنا بـ “السادة أطباء الامتياز ” و حين تُطلَب الأوراق من مكتب “شئون الأطباء” لا “شئون الطلبة ” .. و حين يتعالى صوت مريض “يا دكتورة ” .. هل حقًا يتوقّع مني أن أقدّم له عَونًا ما ؟!

لم أتكيّف تمامًا بعد .. لكنّي تكيّفت نوعًا .. لم تَعُد الدموع تُغالِبُني أمام المرضى و ذويهم .. لكنّها صارت تغلبني إذا ما صِرتُ وحدي .. لم يعُد التكاسل وعدم الاكتراث يثيران اندهاشي و غضبي .. بل تعلّمتُ أن أبذل ما أستطيع لتجاوزهما ؛ تارةً بالشدّة و تارّةً باللين ..

لم أتكيّف تمامًا بعد .. لكني أستشعر تغيّرًا طفيفًا يتسلّل إليّ .. ناعمًا هادئًا .. مُحتَرِفًا في التخفّي ! أتبيّن وقعَ خطوتِه الخفيفة قادمةً من بعيد .. أنتبه و أُرهِف السمع .. فيتلاشى الصوت في الحال .. ألمح ظلَّه من بعيد غامضًا مُبهَمًا .. أنهض مُسرعةً لعلّي أراه .. فيختفي الظل في الحال ..

أبقى في حيرةٍ من أمري .. هل يحاول التسلّل حقًا ؟ أم أنني أتوهّمه من فرط خشيته ؟!

لكن شيئًا في داخلي يشعر به و إن كان لا يملك عليه دليلًا .. يرى أثره في ابتسامتي المصطنعة على مزاحٍ ثقيل الظل .. في ادّعائي بأن مريضًا في حالٍ حَرِجة .. أو أنه سيُخضَع للجراحة اليوم لا الغد .. في ردٍ عصبي على أهل مريضٍ يُبالِغون في الإلحاح على شيءٍ لا معنى له .. في انفعالٍ هُنا .. و حِدّةٍ هُناك ..

عشرون يومًا .. تعلّمت فيهم ذلك كله .. و برّرتُ له و تعلّلت بحسن النوايا و سلامة الغاية .. فماذا يُنتَظر بعد أشهر ؟! و ماذا بعد سنوات ؟!

أكتب هذه الكلمات توثيقًا لحالٍ لا أعرف إلامَ يؤول .. و لا أخشى إلا يومًا أقرؤها فيه غير مُصدّقة .. مذهولةً من الفارق بين ما كنتُ عليه و ما صرتُ إليه ..

ربَّنا آتِ نفوسَنا تقواها .. و زكِّها .. أنت خَيرُ من زكّاها ..

اترك رد

%d