نظرة المجتمع الإداري بين الصورة النمطية والتحول المؤسسي

كتب: أحلام بنت محمد حوحو

لطالما ارتبطت صورة الإداري في أذهان كثير من الناس بالأعمال الروتينية، وإنجاز المعاملات، والتقيد الحرفي بالإجراءات، حتى أصبحت هذه الصورة النمطية هي المعيار في الحكم على العمل الإداري لدى البعض. وغُيّب خلف هذه النظرة حجم الجهد الحقيقي الذي يبذله الإداري في تنظيم العمل وضمان استقراره واستمراريته داخل المؤسسات.

ومع تسارع التحول المؤسسي والتحول الرقمي في مختلف القطاعات، تغيّر مفهوم الدور الإداري بشكل جذري؛ فلم يعد الإداري مجرد منفّذ للتعليمات، بل أصبح شريكًا في التخطيط، وعنصرًا مؤثرًا في صناعة القرار، وداعمًا لجودة الأداء، ومساهمًا في تطوير الإجراءات وتحسين بيئة العمل. وأصبحت الإدارة الحديثة تعتمد على الإداري في ضبط استمرارية العمليات، وتحقيق الكفاءة التشغيلية، وربط السياسات بالتنفيذ الفعلي.

وفي ظل هذه المتغيرات، لم يعد كافيًا أن يكون الإداري ملتزمًا فقط، بل أصبح مطلوبًا منه امتلاك مهارات متعددة مثل: تنظيم الوقت، والتحليل، والتواصل المؤسسي، وإدارة الأنظمة الرقمية، والقدرة على التعامل مع التحديات بمرونة واحترافية. إن كفاءة الإداري اليوم تُقاس بقدرته على تحويل الخطط إلى واقع، والتحديات إلى فرص، والإجراءات إلى نتائج ملموسة تخدم المؤسسة والمستفيد في آن واحد.

ورغم هذا التطور الكبير في واقع العمل الإداري، إلا أن نظرة المجتمع للإداري لا تزال في بعض البيئات متأثرة بالصورة النمطية القديمة، مما يخلق فجوة بين حجم الأثر الفعلي للإداري ومستوى التقدير الذي يحظى به. وتغيير هذه النظرة لا يتم بالمطالبات وحدها، بل يتحقق عبر الأثر العملي؛ فكل إداري يتقن عمله، ويطوّر إجراءاته، ويسهم في تسهيل الخدمات، ويعمل بروح الفريق، هو رسالة حيّة تُعيد تشكيل الصورة الذهنية عن الإداري، وتُرسّخ مكانته الحقيقية في المجتمع.

وقد أثبتت التجارب أن نجاح أي مؤسسة لا يعتمد على القيادات العليا وحدها، بل يقوم على تكامل الأدوار، ويأتي الدور الإداري في قلب هذا التكامل، بوصفه حلقة الوصل بين التخطيط والتنفيذ، وبين القرار والتطبيق، وبين الأنظمة والواقع. فبقدر قوة التنظيم الإداري تكون قوة المؤسسة واستقرارها.

وفي الختام، فإن نظرة المجتمع للإداري تتجه – بإذن الله – نحو مزيد من الوعي والتقدير، كلما ارتقى الأداء، وتعزز الاحتراف، وظهر الأثر بوضوح. فالإداري لم يعد ذلك الموظف الذي يعمل في الخلف فقط، بل أصبح اليوم شريكًا في النجاح، وصانعًا من صناع الاستقرار المؤسسي والتنمية الإدارية.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *