” سيد الأدلة ” بقلم : داليا حجي

داليا 1داليا حجي

أنا لا أحلم بالكمال و لا أطالب أحدا به نحن بشر لنا أن نصيب و أن نخطئ و لكن إن تكرر الخطأ و الجرح لا نلومن سوى أنفسنا نتحمل النتيجة و هذا من وجهة نظرى لا يكفى و لا يضمدد الجروح.

تكلمت مرارا و تكرارا عن الإهمال و ذكرت أن الإهتمام هو عمود فقرى أى علاقة ان وجد الإهمال انكسرت العلاقة دون رجعة … أقصد هنا أى نوع من العلاقات سواء كانت بين الأصدقاء، أقارب أو أحباء.

و الإهمال غير مقصور على رجل أو إمرأة فكلانا بشر و كلانا لديه قلب الفارق ان كان قلبا جسورا أو قلبا يشعر بمن يتعامل معهم.

التبلد فى المشاعر و إهمال من ينتظرون منا إهتماما يقتل و يصبح كالطوفان يأكل الأخضر و اليابس و نصحوفجأة على فجيعة الهجر و نتسائل لما هجرنا من كانوا أقرب الناس لنا و الإجابة راجعوا أنفسكم راجعوا تصرفاتكم تذكروا كم من مرة سمعتم شكواهم من إهمالكم و لم تعيروه أدنى أهمية بل بالعكس أنكرتم من الأساس أن يكون هناك إهمالا و لو حتى بغير قصد.

كم من بشر أحبت و إختارت أن تهجلر محبيهم لا لشئ سوى لهذا السبب كم من بشر عانوا أشد معاناه من الإهمال و كانوا يفقدون كل يوم جزءا من عبيرهم الخاص و يموتون ببطئ و عندما يفيقون يأخذون قرارا حاسما بإعتزال هذه الحياة التى قد تقضى عليهم يوما و عندما يرحلون و يغلقون باب تلك العلاقة و تمر السنون و يبداوا حياة جديدة يحزرون أن الإهمال يقلهم أنهم لا يقدرون على الإستمرار فى حياة دون حياة و يكرروها مرارا و تكرارا و مع ذلك يقع الطرف الآخر فى نفس الغلط و بدلا من ان يتنبه بعد تلقيه انذارا ببدأ وقوعه فى الخطأ ذاته ينكر و ينفى و يغلق باب الأمل أنه سوف يغير من ذلك لأنه لم يهمل و يمضى فى طريق من سبقه و يمشى على هداه و النتيجة معروفة لا تختلف عن من سبقها الا فى شئ واحد فقط السرعة فهى لا تستغرق نفس الوقت لأن دائما نتائج الجلطة الأولى التى تصيب القلب تكون أقل بكثير من الثانية التى تصيب قلبا مصابا من قبل لا يقدر أن يتحمل الضربة الثانية.

هناك نوعان من الإهمال إهمالا مقصودا متعمدا يسلكه شخصا يريد عن قصد تعذيب من يتعامل معه سواء لأنه شخصية مريضة يهوى أن يرى وجيعة الناس أو أنه يعطى درسا قاسيا لهذا الإنسان نتيجة لشئ ما.

و هناك من يهمل عن غير عمد هو بطبعه لا يعرف معنى كلمة إهتمام إحتواء ملئ حياة من يعنوه إن كانوا حقا لهم أهمية عنده.

و النوع الثانى هو الكارثة بعينها لأنه مهما حدث لا يغير شيئا لأنه من الأصل لا يستوعب أنه يهمل ذلك الشخص و ان سمع شكوى ثم تنبيه ثم تحذير ثم هجر لديه قدرة فائقة على إنكار هذا الإهمال تماما و كأنه لم يكن. و عند الرحيل يكون مذهولا و فى عينيه تساؤلا لما كل هذا ؟ ماذا حدث ؟ لم أكن أنتظر يوما رحيلكم هنا فقط تبقى الجملة الماثورة فى الأذهان خير من ألف تعبير (شوف عمايلك يا برنس و انت تعرف ايه اللى وصلنا لكل ده).

تحضرنى جملة سمعتها من صديق عزيز عندما قرر مواجهة زوجته أنه يعتزم الزواج من أخرى و لها حرية القرار إما الإستمرار إما الطلاق و بدأت تلك الزوجة بعد ان أفاقت من تلك الصفعة أن تحاول استعادة زوجها بالإهتمام به مع انه قد حذرها مرارا و تكرارا من اهمالها له فعندما سالته و لما لا فالتعطيها فرصة ربما تتغير أجاب بسرعة بالغة قائلا (أنا مركون على الرف من سنين و كنت دايما بحذر و أقول مش أول ما هى حبت تتغير تنزلنى و تنفض من عليا التراب و كان شيئا لم يكن؟) و هنا عجزت عن الرد لأنه أسكت محاولة دفاعى عنها برده الصاروخى و خاصة أنه نبه و حذر و لم يفاجأها.

هناك أيضا سيدات متزوجات يعانين من الوحدة الشديدة لأنهم لا يجدون أزواجا تهتم تعطيهم جزءا من وقتهم تحتوى مشاعرهم و تشعر بقلوبهم و يتركونهن كالأثاث دون إهتمام.

و الشئ الكارثى حقا من يهملون فى بداية العلاقة فترة التعارف و الخطوبة هؤلاء من أطلق عليهم (لا دم و لا خشى) و خاصة عندما يتفانى الطرف الآخر فى الإهتمام و لا حياة لمن تنادى و للأسف اما ان يقع الطرف المهتم فى الفخ و يكمل هذا الإرتباط أو ينجو بنفسه و يقوم بالهروب الكبير.

من أكثر المشاهد كوميديا أن يكون الطرف المصاب بداء الإهمال هو نفسه من ينشد فى الطرف الآخر الكمال يطالبه بالتحلى بكل الصفات التى يحبها و طول الوقت يسممه بكلامه يطالبه بتعديلات و يرى فيه عيوبا يجب اصلاحها و هو لا يرى به أى عيب أو نقص.

و المصيبة الأكبر أن يقع مع طرف مسالم يهتم به و يستجيب لمطالبه و فوق كل هذا يخجل أن يعدل فيه شيئا و عندما يحاول فقط مواجهته بإهماله يصاب بالصدمة عندما و ينكر تماما و لا يفكر و لو للحظة فى التوقف أمام هذا الكلام و محاولة تغييره.

لا أجد سوى أن أقول الإهمال يفسد الصالح و يقضى على مشاعر و قلوب عامرة بالحب و يحول ذو القلب الرقيق لشخص جف قلبه من المشاعر أفيقوا قبل فوات الأوان الإهمال دائما أبدا سيد الأدلة.

 

اترك رد

%d