مفهوم الأخلاق عند العلماء (2)
د/ خالد عبدالرحمن ياسين أحمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
نواصل في هذا المقال حديث العلماء والمفكرين عن مفهوم الأخلاق؛ حيث يشير مفهوم الأخلاق عند أحد المفكرين إلى: مجموع الصفات الاجتماعية، والمحددات السلوكية التي اكتسبها الفرد من خلال تفاعله مع البيئة الاجتماعية وأصبحت عادة في سلوكه، وهي تتعلق بتنمية اتجاهات الفرد، وتوضيح المـُثُل العليا للسلوك التي ينبغي أنْ يحتكم إليها في علاقاته الاجتماعية، وبناءً عليه فيمكن تفسير الأخلاق من جانبين: نفسي باطني، وسلوكي ظاهري.
ومن المنطلق السابق فالأخلاق هي الشرط المسبق الذي يحدد سلوك الذات الإنسانية، وينظم مقومات الفعل الإنساني، وهي التي تُضْفِي على ظواهر السلوك الإنساني المغزى الاجتماعي، فالأخلاق إذن عبارة عن مجموعة قواعد سلوكية هادفة تحدد السلوك الإنساني، وتنظمه، وعلى الإنسان أنْ يحتذي هذه القواعد فكرًا وسلوكًا في علاقاته المختلفة لمواجهة ما يقابله من مشكلات، وحتى يتمكن الفرد من الاختيار الخُلُقي الصحيح في المواقف المختلفة، ولكن ركز هذا التعريف على الجوانب الاجتماعية أكثر من غيرها.
ويرى بعض المفكرين أنَّ الأخلاق عبارة عن: ضوابط نفسية، واجتماعية للفرد والمجتمع معًا، ومنهم من يرى أنَّها رابطة تجمع بين مختلف الضوابط الاجتماعية -دين، وعادة، وقانون- لأنَّها تمثل منذ القدم صحوة الضمير الفردي، وإيمان الفرد. ومن هنا يظهر للأخلاق معنيان: أحدهما عام، والثاني خاص. وهي بمعناها العام تدل على مجموعة القواعد التي ليست لها صفة قانونية وإنْ كانت بادية الأثر في السلوك، عظيمة الخطر في ضبطه؛ وبمعناها الخاص تدل على أنَّ هذه القواعد ليست مجرد عادات تتحكم في سلوك الإنسان، بل هي قواعد تم وضعها طبقًا لأقيسةٍ خاصة، والفرق بين المعنيين كالفرق بين ما يفعله المرء بإرادته وما لا إرادة له فيه.
ويرى البعض أنَّ الأخلاق هي السلوك الإرادي الذي تقره المجتمعات البشرية لضمان بقائها، وازدهارها، وهذا السلوك يكون فرديًا، وجماعيًا في الوقت نفسه. فكل سلوك يضمن سلامة الفرد والمجتمع، بل الإنسانية جمعاء هو سلوك أخلاقي، وكل سلوك يضعف أو يضر الفرد، أو المجتمع بل والإنسانية عامة هو سلوك غير أخلاقي.
وهكذا يُطْلَق لفظ الأخلاق عامة على جميع الأفعال الصادرة عن الإنسان محمودة كانت أو مذمومة، ويُقَال لصاحب الأخلاق المحمودة (فلان كريم الأخلاق) ويُقَال لصاحب الأخلاق المذمومة (فلان سيئ الأخلاق).
ويربط بعض الباحثين بين الأخلاق وتعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية؛ حيث يرى أنَّ الأخلاق: مجموعة الصفات أو السمات التي حث عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية والتي تحدد شخصية المسلم وفق منهج متكامل ينظم سلوكه، وعلاقته بالله، وبالكون، وبالمجتمع، وبنفسه وتعمل كمعايير أو أطر مرجعية موجهة للسلوك وضابطة له.
ومن الباحثين من يرى أنَّ الخُلُق عبارة عن سلوك الإنسان كفرد، وكجماعة سلوكاً يميز فيه بين الخير والشر، فيحب الخير ويختاره، ويعمل على تنفيذه، ويمقت الشر ويعافه. وهو -أي الخُلُق- تكامل العادات، والاتجاهات، والعواطف، والمُثُل العليا بصورة تميل إلى الاستقرار، وعلى كلٍ فهو سلوك يتفاعل فيه الضمير، والفكر، والعاطفة، والإرادة، والتنفيذ، والعادة. فكلها تتحد لتكون وحدة سلوكية أخلاقية يعيشها في واقع الحياة اليومية.
ومنهم من يرى أنَّ الأخلاق هيئة راسخة في النفس وهنا تركيز على الجانب النفسي تصدر عنها الأفعال الإرادية من حسنة وسيئة، وجميلة وقبيحة أي أنَّ كل ما يصدر عن الإنسان يعتبر خُلُق فهي مجموعة رغائب الفرد، وميوله الفعالة التي تجعله دائماً على استعداد للإتيان ببعض الأفعال، ومغرماً ببعض النتائج وفي الوقت نفسه كارهاً لبعض الأفعال، والنتائج الأخرى. ولكن لكي يطلق على الأفعال أنَّها أخلاق فلابد أنْ تصدر من غير تكلف أو تعسف.
وعلى الرأي السابق فالأخلاق ليست مجرد السلوك الظاهر الذي يصدر عن الأفراد وفقط، بل كل ما يجول بنفسية الفرد سواء ترجمت هذه الخواطر في سلوك خارجي، أو ظلت مجرد فكرة حبيسة داخل فكر الإنسان، ومن هنا فالأخلاق تحاول السيطرة على الطبيعة الإنسانية وتوجيهها التوجيه الصالح، ووضع قواعد، وقوانين، ونظريات، وأهداف توجه السلوك، والطبيعة الإنسانية.
وتُعَرِف إحدى الباحثات الأخلاق بأنَّها: “الضوابط التي حددها دين سماوي، وتعمل على تنظيم العلاقة بين الله والناس، وتعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي تبين الخير وتحث عليه وعلى فعله، وتبين الشر وتنفر منه، وبذلك فإنَّ الجزاء فيها أخروي.
ويُلَاحظ على التعريف السابق الربط بين الدين والأخلاق، فالأخلاق تعتبر بنت الدين يضع قواعدها، ويحدد معالمها وهي بمثابة المنظم الذي ينظم العلاقة بين الخالق والمخلوق، وهي التي تبين الخير والشر، والجزاء المترتب على كل منهما.
ومن خلال العرض السابق لمفهوم الأخلاق عند العلماء في المقال السابق والمقال الحالي يتضح أنَّ الأخـلاق:
صفات مستقرة وراسخة في النفس سواء كانت فطرية أو مكتسبة، ولهذه الصفات آثار تظهر على سلوك الإنسان، ويمكن من خلال هذه الآثار الحكم على الشخص بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي.
الإسلام يدعوا إلى محمود الصفات، وينهى عن سيئها، فيقاس المسلم الحق بمدى تمسكه بالصفات المحمودة.
ليس كل الصفات المستقرة والراسخة في النفس البشرية هي أخلاق، بل هناك غرائز كامنة في النفس، ومستقرة لا صلة لها بالخُلُق، والذي يميز بين الأخلاق والغرائز الآثار التي تظهر في سلوك الإنسان.
أنَّ آثار السلوك المحمود والذي يُمْكِن التعرف عليه من خلال موافقته لما هو متعارف عليه في المجتمع، تضمن للمجتمع الاستمرار، والبقاء، وتنظيم كافة مجالات الحياة الاجتماعية.
الأخلاق قواعد منظمة لسلوك الإنسان الراشد والتي باتباعها ينال أعلى الدرجات.
مكارم الأخلاق دعوة كل الديانات السماوية، ورسول الله r أشار إلى أنَّ أحد مهام بعثته إتمام مكارم الأخلاق.