د . أكرم صلاح الدين يكتب “المرأة كأستعارة تشكيلية فى فن الجرافيك ”

د. أكرم صلاح

 مفردة المرأة ظهرت أهميتها من بداية الخلق لأنها النصف المكمل للحياه البشرية بكل تفاصيلها ومقوماتها ، ومن هذا المنطلق ظهرت المرأه كأستعارة تشكيلية فى الفن التشكيلى بصور كثيره أتاحت للفنانين القدرة على استخدامها بأكثر من شكل أو هيئة، وبشكليمكنهم استخدام أكثر من معادل بصرى لها فى التعبير عن مدلول واحد.

ونحن الان بصدد تواجد تلك المفردة فى احد اهم فروع الفن التشكيلى  وهو فن الجرافيك وجاءت اهميته من سهوله انتشارأعماله وانتاجه الفنى من خلال تعدد النسخ المطبوعة .

    نبدأ حديثناً بتعريف مصطلح ” استعارة “. ثم عرض عينه من من اعمال  الفنانين توافرت لديهم تلك الاستعارة مؤدية الغرض منها بشكل يستحق الدراسة والاهتمام.

الاستعارة : ” أداة مهمة تستخدم فى محاولة الفهم الجزئى لما لا يمكن فهمة كلية ” وفى عالم التشكيل فتكون الاستعارة مرتبطة بالأسلبه أى الاختزال والتكثيف فى الرؤية والفكر التعبيرى، ومنها نتوصل إلى الكثير من المعانى والصور التشكيلية بأدوات قليلة، وبفهم الأبجدية البصرية وإدراك أبعادها ومقوماتها الفلسفية والبنيوية والتشكيلية يخرج لنا الفنان ” درر” تشكيلية ذات إستعارات واضحة الفهم كما هى مناطه به”([1]).

وتأكيدا لصحة فرضنا بأن المرأة لها دور استعارى فى العمل الفنى كان لا بد لنا ان نسترشد بهؤلاء الفنانين :

–         المرأة كأستعارة تشكيلية فى اعمال الفنان “بابلو بيكاسوPablo Picasso” الجرافيكية

          وخاصة عندما نظر إلى “مفردة المرأة كنظرة الروائى الذى يقتحم حياة ونفسيات شخصوص روايته, فالمرأة فى الرواية ينظر إليها من عدة زوايا وبعدة أبعاد وفى زمان ومكان متغير ولكن ضمن حيز فكرى وبنائى معين، ومن خلال هذه المعطيات تظهر العلاقة بين المرأة و الاستعارة التشكيلية وتنمو وتصل إلى عنفوانها فى لحظة مهمة هى عقدة الرواية أو حدود اللوحة فى الفن التشكيلى ,وظهرت الإستعارة التشكيلية عند” بيكاسو” بشكل واضحاً من خلال مفردة المرأة وذلك عندما أستخدم جسم المرأة وقام بتقطيعه وتشويهه لإستخدامه كإستعارة تشكيلية تدل على الألم والحزن، كما هو واضح فى شكل ( 1،2) المسميان  ” منظر جانبى لدورا مار، دورا مار جالسة”.

          فمن خلال تناول الفنان لمفردة المرأة نستطيع أن نستشف أيضاً البعد السياسى الذى تبناه ” بيكاسو” وهو الفكر اليسارى (رغم أنه لم يعلن انتمائه رسمياً للحزب الشيوعى إلا بعد انتهاء الحرب), فكان على وعى وإدراك كامل بمشاكل المرأة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية وحرمانها من أغلب حقوقها ووضعها موضع الاتهام والمراقبة أو فى درجات أدنى، فكان كل ذلك من المسائل التى شغلت أفكار اليساريين المثقفين, وكان بيكاسو على صلة وثيقة بملاقاة هؤلاء المثقفين([2])“.

المرأة كأستعارة تشكيلية فى اعمال الفنان” مــارك شاجال MarcChagall “:

          ” ويقال أن الفنان قد تزوج زيجة موفقة مما كان لهادور أستعارى فى أعماله ومدلول ايجابى وخاصة عندما يصور نفسه مع حبيبته فى أوضاع رومانتيكيه مراهقة. تارة يطير معها فوق الحصان ذى الأجنحة وذراعاه حول خصرها، وتارة أخرى يصورها على شكل” الموديل” الذى يرسمه، أو فى عيد الميلاد الذى يطفى فيه شمعاً، ومن منطلق تغلب الفكرة على الرؤية البصرية لمفردة ” المرأة ” والانسياق وراء الانفعال، فكان يصورها أتيه شاقه الجدار أو طائرة قادمة من السماء أو مطلة من النافذة، أو تظهر بين ذراعية تقود معه الجواد إلى رحلة بعيدة، كلها أحلام، وخيال، وأمال، مطامح، فى جو لونى فضفاض له أعماقه التعبيرية والسريالية فى آن واحد” ([3]) “مثل عملة الليثوجرافى “أغنية الاغانى” شكل(3).

المرأة كأستعارة تشكيلية فى أعمال لوسيان فرويدLucianFreud ” 1922 –     ” الجرافيكية :

    ” مَنْ شَاَبهَ أباه فما ظَلَمَ، هل ينسحب القول بصيغة أخرى مَنْ شَاَبه جِدَّهُ فَمَا أَخْطأ “.

          فرويد مؤسس علم النفس ومفسر العالم جنسياً لم ينته ذكره على الرغم من أن التحليل النفسى كما بدأه فرويد انتهى، وها هو الآن يتجدد بحفيده الفنان ” لوسيان فرويد Lucian Freud ” فكما رأى الجد العالم جنسياً وعُقداً تدور فى هذا الكون، فالآن الحفيد يرى اللحم البشرى عارياً ويرسم العالم جنسياً بلا حدود مستخدما جسد المرأة كاستعارة تشكيلية تعبر عن رؤيته فى أعماله الفنية المطبوعة .

          اتبع الفنان إسلوباً غريباً وفريداً فهو لا ينتهى إلى أى رسام قبله وأعماله لا تشبه أعمال أى رسام آخر، لم يكن فرويد رساماً أكاديمياً لذلك كان حراُ لم تقيده قوانين أو أحكام”([4])، ظهرت أعماله من خلال تكوينه الثقافى الخاص به عبر عن آرائه بجرأةٍ وصدقٍ لم يتخَّللْها أى إصطناعات أو زخرفة أقام مدرسة بالتعامل مع الشكل الإنسانى، والاهتمام بالكتلة البشرية.

          “لُقب برسام العُرْىّ غير المزخرف والمجمل بل اْلْعُرْىِ السمين واللحم المترهل الذى يتسم بالغموض ولا يثير فى النفس سوى شعور بالتوتر ولوحاته تبحث فى الحركة والكتلة البشرية فى كل الأوضاع مع الاهتمام بملامح الوجه والجسد”([5])، ونلاحظ ذلك جيداً فى عمله ” فتاة شقراء” شكل (4)، “امرأة وذراع به وشم” شكل (5).

          ونلاحظ فى ” أغلب الأحيان ظهور الشخصيات وكأنها مشدودة إلى أسفل دون معرفة السبب بتعابير قاسية ونظرات قلقة ومتوترة، وأحياناً يبدو على الجسم آثار رضوض وندبات تدل على قسوة الحياة، إذ لم يكن الفنان مهتماً بإظهار اللمسة الجمالية فى أعماله بل القبح والدمامة”([6]).

          وبذلك ندرك ان الفنان ” لوسيان ” وظف جسد المرأة كأستعارة تشكيلية تحمل بطياتها مضامين نفسية واسقاطات عن توتر ومعاناة حقيقية لدى الفنان

          ونصل إلى أن أعمال الفنان التى تتفق مع نظريات جده ” سيجموند فرويد” النفسية عن فلسفة الجسد، وإسقاطات الجنس وتأثيراته، وإن أهمية أعماله يضاف لها أهمية نظريات فرويد الجد وتطبيقاتها عن طريق الفن التشكيلى، فنظريات المدرسة الفرويدية التى تأسست على فكرة الكبت الجنسى وتأثيراته، وفلسفة الجسد ودلالاته، هى بالحقيقة الموضوع الأساسى لأغلب أعمال هذا الفنان ، وخاصة فى استعمال المرأة وجسدها كأستعارة تشكيلية تحمل تلك المضامين .

          وبالعودة مرة أخرى إلى أعمال الفنان ” لوسيان فرويد Lucian Freud ” يتأكد لنا ذلك فأغلب أعماله قد ” أهتمت بإظهار الإيقاع الداخلى للشخصية، فنجد مثلاً لوحات طباعيه ركزت على الأشكال والوجوه الأيرلندية، حيث أظهر فيها بعض ملامح الصلابة إلى حد البلادة أحياناً والخواء فى أحيان أخرى، وهذا ما نلاحظه فى عمله  “الفتاة ذات الشعر المجعد” شكل (6).

          “وفى حوار فى إحدى الصحف الإنجليزية قال : ” أريدُ تنفيذَ أعمالٍ تصل فى طبيعتها وإيحاءاتها إلى طبيعة اللحم الحى .. صحيح أن رسوماتى تجسد أشخاصاً، ولكنها لا تشبههم بالضرورة؛ فأنا أرسم ما أنا أراه، ليس كما تريدنى أنت أن أراه”([7]).

          ويؤكد لنا ذلك رسمه لأصدقائه ومعارفه اَّلذِيْنَ عاشَ معهم ورصدهم طويلاً، وبهذا فإن أعماله تستبطن وتكشف نماذجه بما هم عليه وليس على ما نراه فى الواقع .

المرأة كاستعارة تشكيلية في أعمال الفنان هنرى ماتيس الجرافيكية :

إن مسيرة ماتيس الإبداعية واسعة وكبيرة جداً، ولم تكن هنالك حدود لطموحاته الفنية التي سبقت عصره وزمانه، فقد كان فنه راقياً وذا مستوى عال، وكان يسعى بأسلوبه الوحشي إلى اختيار حكيم لتجسيد روحية جديدة لمجمل أشكاله وهيئاته الأنثوية التي طمح من خلالها إلى العودة نحو منابع الفن البدائي الخطي المبسط المحفور، وتوحيدها في صيغ فنية حفرية كاملة جديدة تصل به إلى أقصى حدود تعبيرية.([8])

وقد ولدت فى ذهن الفنان أفكار عندما كان في زيارة لشمال أفريقيا، واراد أن تكون المرأة فيها رمزا لقوّة وعنفوان الأرض التي زارها كما هو واضح فى شكل ( 7) .

المرأة كاستعارة تشكيلية من خلال الموديل العاري في أعمال ماتيس المطبوعة :

في عام 1906م. توجه ماتيس نحو وسائط تقنية أخرى منتجاً مجموعة من الطباعات الحجرية القيمة، ومن أهمها مطبوعة تدعى “عارية” أُرِّخَتْ بشكل متفاوت ما بين عامي (1904- 1907 م ). وهي تبرز أعماله في تلك المرحلة بأسلوب هندسي مبسط لتبدو وكأنها شبيهة بتمثال حجري مبسط الرأس والجسد شكل (8).

كما أن هذه المطبوعة الحجرية تمثل نقيضاً تاماً وانعكاساً قوياً لمطبوعة (عارية جالسة) المنفذة بالطباعة البارزة لينيليوم عام 1906م. التي تعدُّ معالجتها الفنية والتقنية لخطوط التكوين ذات أسلوبية حفرية مختلفة تماماً، مما أكسب كلتا اللوحتين قيماً تعبيرية تشكيلية متجددة، وهذا ما يفسر قول ماتيس: “التعبير هو ما أهدف إليه قبل كل شيء، فأنا لا يمكنني الفصل بين الإحساس الذي أكنه للحياة، وبين طريقتي في التعبير عنه، التعبير وفق طراز تفكيري”([9]) انظر شكل (9) المسمى بالعارية الجالسة.

في الواقع إن فكرة لوحة العارية كانت مقدمة مهمة لموضوع العارية رافعة اليدين التي صورت بأهمية بالغة في فن النحت والتصوير الزيتي والطباعة الحجرية، وبالأخص التمثال البرونزي “العارية الجالسة الكبيرة” المنفذة عام (1923-1925)م. وكذلك أيضاً المطبوعة الحجرية “العارية الجالسة مرفوعة اليدين” المنفذة عام (1942)م.

وفي عام (1922)م. وحتى نهاية ذلك العقد، أنتج الفنان ماتيس أشهر وأكثر مطبوعاته الحجرية انتشاراً، فالعديد منها ذات ارتباط وثيق بموضوعات المرأة واستخدامها بشكل استعاري في أعماله حيث استعار عنها بموضوعات العشيقات بصورة معبّرة جاذبة نقية. ويقول الناقد ك.باناس: “عالمه راقص تميّز بالشاعرية الرقيقة، و المغازلة اللطيفة، ولذَّة الحب بشكل دقيق، ومضبوط تماماً بتقنية الطباعة الحجرية التي اكتسبت النعومة والشاعرية لشخصوصه الأنثوية”([10]). وبعض هذه الأعمال بدت وكأنها استعارات محددة ودقيقة لموضوع ما.

وهناك عمل آخر أظهر الأشكال بشكل مسطح إزاء خلفية مزينة بنقوش زخرفية، وقد بدت الخلفية وكأنها تدفع الأشكال قدماً إلى عالم الناظر، ليبدو الجو الفضائي معكوساً، وقد امتد اللون بشاعرية تامة في الصورة كلها “موحداً الأعلى بالأسفل، والخلف بالأمام، بلا عناء.([11])

وفي عام (1929)م. عاد ماتيس إلى الحفر على المعدن، ولكن بمقياس مصغر من الألواح المعدنية، وبأسلوب مغاير للمعاني التعبيرية الشاعرية الغنائية الماضية، غير أنه متابع لموضوع الشكل العاري باستخدام خلفيات جديدة من المحترف الفني الخاص به، أو أمام خلفيات عامة مظهراً بلاغته التعبيرية الجديدة من خلال تشهيراته الخطية الجريئة المشحونة بحماسه الانفعالي القوي وفق محاولة جادة لخلق نوع جديد من الفضاء والاتساع في اللوحة، “ففي مطبوعاته الحمضية في هذه الحقبة، توصل ماتيس إلى بلاغة التعبير بقوة تكويناته البسيطة، وخطوطه القوية الجريئة، التي أدَّت دوراً كبيراً  وأولياً في إبراز جوهر اته من خلال الشكل والفضاء، واهمال العناصر العشوائية الخطية التي تبدو خطوطها غير منتهية الرسم ظاهرياً”([12])

1 2. 3 4 5 6

بقلم  د . أكرم محمد صلاح الدين أحمد

المدرس بكلية الفنون الجميلة بالاقصر

جامعة جنوب الوادى

 مصادر الموضوع  مراجع عربية واجنبية 

اترك رد

%d