الكاتب : بهيج اسماعيل ” العظم المكسو بالجلد ” بسوريا لايزال رافضا الموت

الغوطة

بقلم الكاتب :  بهيج اسماعيل
المناظر التى عرضتها شاشات التليفزيورن للهياكل العظمية الحية فى المدن المحاصرة فى سوريا. مناظر لم يسبق أن رأتها العيون على الإطلاق. إنهم نوع من «العظم المكسو بالجلد» القادر على التنفس لايزال رافضا الموت فهم يكاد الواحد منهم ـ والله ـ يخلو تماما من اللحم؟ ومع ذلك فهم أحياء. كيف؟ وبأي قوة؟ لايمكن إلا أن يكونوا مستمرين بروح إضافية هى التى تبقيهم على قيد الحياة. إنهم الصورة النهائية للحياة قبل الموت جوعا. أو هم الأجساد القابعة فى الزاوية الحادة المحصورة قبل أن ينطبق ضلعها فى حركتها النهائية على قاعدة المثلث، والتى هى الخط المستقيم أو الموت. لا أجد تشبيها يقربها للشكل البشري. هذا الفزع فى العيون التى ترفض إلا أن تتسع محدقة ـ كالكوابيس ـ تؤرق مضاجع هؤلاء الذين ينامون مسترخين ـ بعد وجبة العشاء ـ فى الأسرة ـ أسرة السلطة وحمامات المياه الساخنة وأحضان النساء، هل هذا عالم متحضر؟ هل هذا عالم مرت عليه الأديان السماوية الداعية إلى المحبة والرحمة والسلام! وهل هناك قسوة أعلى من تلك المعروضة على الشاشات أمام أعين البشر جميعا؟ هاهاها (يضحك الشيطان) ان المناظر التى عرضت لتلك الهياكل العظمية الحية التى ترفض أن تدفن. والتى ترفض أن تترك الحياة لمن لايستحق. لايمكن أن نصدق أنها موجودة على الأرض ـ نفس أرضنا ـ وإنما فى مكان ما بالقرب من الأرض! مكان مجهول لايراهم فيه أحد من سكان الأرض.
أى نوع من التعذيب هذا؟ وأى نوع «من السادية» ولماذا أساسا؟ إن الدين ـ السماوى وغير السماوى أيضا ـ يرفض تعذيب الطيور والحيوانات حتى.. فذبح الدجاجة يجب أن يكون سريعا وبسكين مشحوذة النصل حتى لايتعذب الطائر أو الحيوان.
فكيف ترك هؤلاء الأطفال ـ والكبار ـ هكذا للجوع يمتصهم ليتركهم كأعواد القصب الممصوصة خالية من الماء والغذاء وربما الدماء أيضا. فقط يحدقون فى الحياة وفى الفراغ ولايملكون القدرة ولا الطاقة حتى فى الصراخ.. حتى فى البصق على هذا العالم الكريه.
هل وصل الأمر إلى هذا الحد من التعذيب؟ إن الجانى يحاكم بقانون خاص لا على الرصاصة الأولى التى يطلقها على المجنى عليه. وإنما على الرصاصة التالية لماذا؟ إنها الرصاصة المتعمدة. إنه القتل العمد فمن المسئول عن قتل هؤلاء الناس عمدا؟ لاتقل لى فلانا. أو إنها الحرب. وإلا قلت لك. ولماذا لم تواصل الطائرات التى تملأ سماء المكان عملها. وكما تسقط للمقاتلين الأسلحة والوقود. لماذا لم تسقط لهؤلاء الأغذية والدواء؟ أم أنها بعين واحدة؟ لا عذر ولاتبرير ولا ادعاء للعماء.
أين ضمير العالم؟ هل هو شيء هلامي؟ أعتقد ذلك. أين هيئة الأمم المتحدة؟ هل هم موجودون بالفعل أم موجودون بالشكل؟ أين مجلس الأمن؟ أين محكمة العدل الدولية؟ بل ـ وبوضوح ـ هل يوجد ما يسمى العدل الفعلى على الأرض؟
آكاد أصيح تسقط كل النظم وكل الشعارات على الأقل لتوفير رواتب ومكافآت موظفيها لاعتمادها غذاء للجوعى فى هذا العالم الذى يملك فيه فرد واحد مليارات من الدولارات ـ أو الجنيهات ـ بينما لايجد آخر ثمن الدواء!.
أخشى أن تتطور «القسوة» من عام إلى عام حتى تصل إلى التأثير البيولوجى على الإنسان فلا تجد الأمهات لبنا فى صدورها لإرضاع المواليد القادمين. أو تموت الأجنة فى الأرحام.  ” نشر بالأهرام المسائى

اترك رد

%d