فوق قنطرة الصمت ( إلى .. نجيب محفوظ ) للشاعر ـ محمد أبو المجـد

محمد ابو المجد

ـ كم تبقَّى من الجهل .. ؟ .

ـ لا .

لم يمتْ غيرُ عقلي .

فالمصير .. على أفقه واقف ذو الهراوةِ

يدمغ صك الْمُضيِّ إلى سـدرة الْمِشنقةْ .

ـ قُـلْ كلامكَ ..

ليس الذي تبتغي .. سيكونْ .

ـ هذه حكمةُ الأغبياءْ .

*   *   *

ساجياً ..

كان يدخل في عمق بوحتـنا

يستدلُّ بحكمته في دهاليز أسبلة القاهرةْ .

لا الحكايات تسعفه ،

والتفاصيل ليست تشد على زَنْـدِهِ

أو ترافقه أوجه الكادحينَ ..

يهبُّ ،

ويعبر قنطرة العجزِ ،

يقنص رؤية حُنكته ..

سارقاً فرحة الكونِ ..
يضطرم البوح والسنوات ؛
فيُدخلنا في نواصي البداياتِ ،

يخرج من عمق دهشتنا ،

ويطالعنا ..

بالمتـونْ .

*   *   *

كان يجرح بطء الدُّجُـنَّـةِ ،

يومئ للشمسِ ،

يجني الندى ، ويُكلِّسه قهقهاتٍ ؛

فيرتعد البحرُ ،

يسلخ زرقتهُ ،

ويحاصره باصطخاب الأحاديث ..

بينا .. يُخلِّقُ عهـداً

يفارق أنصبة الْمُستبيحينَ هدأتـهُ ،

ويرشِّـشهم بالنكاتِ ؛

فينفتحون على قلبه الزنبـقيِّ ،

وينهصرون أمام ملامحهِ

سُـخرياتْ .

كان يروي .. ؛

فتنكشف الكامناتُ ،

وتنفضح  الخافياتُ ،

وتُشهده الشمس رِفعتَـهُ ؛

فيراوغها ،

ويسارع للحارات .

*   *   *

عابراً نـزفَ سجدتِهِ

فجَّـر الوهنَ ،

وانتهر العمرَ في سُـدَّة الوجـدِ

زَمَّ الشفاهَ ،

وناحَ ،

وبارح تأليهَ تأويـلِهِِ ،

ونضـا الْمُختبي بدواهيهِ

شاطر مولاه خُرْقته ،

وارتقى ؛

فدنـا ..

ـ واعتراف الأدلة سـيِّدُهُ ـ

فتعرَّى ،

وكاشفَ ،

باحَ ،

بـكى ،

غاب في الرهبـوتِ ،

ونازع رغبته ؛

فامتطى الطائـرَ الأخـرقَ

الآن ..

لـمّا تحطُّ التسابيح أحرفها ؛

يشعل الجوف أدعيةً ،

ويطل من الكوَّةِ الآخـرةْ ؛

فيراهُ ..

ذوو الألبـابْ .

*   *   *

مـرَّةً ..

ناوشته ذراعُ الصبيِّ ،

وطالت إهاب تسيُّده ..

خدشـتْهُ

بـكى وَدَجُ العقــلِ ،

شاخ وليدُ المسـاءْ ،

وأحكمت البومةُ الولولاتِ

… … … … … … …

ولكنَّه العهدُ يوقظه ..

قُــمْ

هو الزمنُ ، القلب ، والْمُهجُ الْمُتحرِّقةُ ،

القـلمُ ، البسماتُ ،

الذيـن

اللواتـي …..

على باب هجعتكَ الآن منتظرونَ ..

يؤَمِّـنُ ،

يرفعُ ساعده ،

فيصافحه النيلُ ، والعشبُ ..

والرُّواياتُ ..

أشباحها تدهم الْمارقينَ

تبشِّرهم بمعرتهم

والْمَنـونْ .
*   *   *

يتريَّـضُ في دفتر العُمرِ

حتى تباغتـه الريح تعوي

يداعبها ،

ويضمُّ العـواء بكفَّـيْهِ

يُخرجه مارداً من نديف صباه ،

ويُطْلقه ،

ويُعدُّ الليالي للبـرقِ ،

يصطحب الأوراقَ ،

يبلِّـلها بصَـبا النيلِ ..

ها ورقُ البرديِّ يُدثِّـرهُ بالولايـةِ ،

والكاهنُ الماجن استنفر القلبَ ..
يخلع تاج الألوهيَّةِ الآنَ

يرفضُـهُ ،

ثم يفرش سـجادةَ الروح

يغفـو ..

على وشوشات النيـلْ .

*   *    *

يجلس الآن ملتحفاً زهوة الصمتِ ،

يحتضن الوقتَ ،

يُمـلي شِكايته للتواريخ

هل يُنصفُ النيلُ نظرته الْمُستديمةَ

للاّنهايات ؟ .

يغسـل حشرجة الصوت ؟

يُلقي بعكازة العدل بين يديـهِ ؟

ويستمْهلُ الْمَـوتْ ؟! .

 قصيدة للشاعر  محمد أبو المجد

اترك رد

%d