ثقافة الحدود بين المتن والهامش ثالث جلسات مؤتمر الأدباء

1

كتب : عبدالناصر الدشناوى

عقدت الجلسة البحثية الثالثة من مؤتمر أدباء مصر فى دورته الـ28 الذى يستمر حتى 31 من ديسمبر تحت عنوان “ثقافة الحدود بين المتن والهامش “شارك فيها الباحث مسعود شومان ببحث بعنوان “ثقافة الحدود بين بين المتن والهامش …. مجتمع حلايب، أبو رماد، الشلاتين (نموذجا)”، الباحث أحمد عادل القضابى وبحث بعنوان “وحدة الثقافة المصرية وتنوعها”، والباحث مدحت مطر وبحث بعنوان “الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع”.

فى بداية بحثه أكد الباحث مسعود شومان على أنه ينبغى الإعتراف بداية بالصعوبات المتعددة التى تقف حائلا أمام إنجاز دراسة تحت عنوان بهذا الاتساع، فضلا عن أن العنوان يضم عدة مفردات لم يحسم أمر تحديدها بدقة، إضافة إلى ندرة الدراسات التى يمكن أن تكون معيناً مباشراً لهذه الدراسة، وكذا قلة الدراسات المكتبية والميدانية التى تناولت المجتمعات أو الجماعات المصرية التى تعيش على الحدود، وبالرغم من الصعوبات العلمية والعملية للإحاطة بكل ما يمكن أن يشعه العنوان من قضايا ورؤى وإضاءة للاصطلاحات، إلا أن هذا النوع من الدراسات يقدم الخطوة الأولى الممهدة لاقتحام هذه العوالم المجهولة، كما تضفى أهمية على هذا المؤتمر الذى وضع ضمن أهدافه خلخلة القناعات الثابتة والتعريفات الكسولة لعدد من الاصطلاحات، وكذا تفجير القضايا المسكوت عنها التى يشتبك فيها الثقافى بالسياسى، والإجتماعى بالجغرافى… إلخ، بل تشتبك جميع العناصر لنصبح أمام مقولة الثقافة بوصفها الكل المركب الذى يمكن أن نقرأ من خلاله الحال والحالة، فى هذا السياق تضعنا هذه الدراسة أمام ثلاثة أنوع من الأهمية أولها الأهمية “النظرية، التطبيقية، المنهجية”.

وشدد على أن الدولة قد “همشت” المناطق الحدودية ولم تولها العناية الواجبة لتصبح جزءا متصلا بشكل قوى بالمركز، موضحاً أن هذه المجتمعات يصفها علماء الأنثروبولوجيا بأنها مجتمعات يتحكم فى ثقافتها “مركب الماشية”، فهى المصدر الرئيسى لطعامهم حيث يتغذون على لحومها وألبانها ودمائها، كما أنها الوسيلة التى تتراكم بها الثروة وتحدد مكانة الفرد فى قبيلته، كما تستخدم فى الضبط الاجتماعى حال دفع الدية، كما يقدر بها “مهر” العروس، كما تستخدم فى طقوس هذه المجتمعات فى الميلاد والأفراح والمآتم كما تقدم كأضاح فى المناسبات الدينية، وفى نهاية عرضة لبحثه لأهم قبائل حلايب وشلاتبن وأبو رماد وعاداتها  وتقاليدها وثقافتها.

2

وأوضح الباحث مدحت مطر فى بحثه الفرق بين تعريف الثقافة بشكل عام ومفهوم الثقافة بشكل آخر، كما إلى تتطرق أنواع الثقافة مقسما إيها إلى نوعينأولهما: الثقافة السياسية أو التى تهتم بأمور الناس وقضاياهم المصيرية، وبالذات فيما يرتبط بالحريات، كحرية الرأى والتصويت أو حرية ممارسة الطقوس المذهبية والدينية وما أشبه.

ويندرج هذا النوع وفق مفهومها إلى قسمين: ثقافة تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعى الجاد للتغيير والإصلاح، ثقافة تشد الناس نحو الأرض وتكرس فيهم روح التبعية والخوف والتراجع والخلود إلى الدعة والراحة.

أما الثانى: الثقافة الإجتماعية، التى تتلخص فى الأعراف والتقاليد التى يبنى عليها المجتمع حياته بما يضمن سعادته ورفاهيته فى ظل قوانين يتمسك بها الجميع من دون وصاية من أحد، وهناك أيضاً نوعان من الثقافة الإجتماعية: ثقافة تدعو وتحث باتجاه تحكيم القيم والمثل النبيلة كالتعاون والترابط والألفة، وثقافة تشد الناس نحو السلبية والتفكك والإنعزال وزرع روح الهزيمة فى النفوس.

وأشار إلى أن العولمة فى صورتها الغربية الحديثة بالرغم مما تنطوى عليه من بعض الإيجابيات فإنها تمثل فى واقع الأمر تحدياً حقيقياً للموروث الإنسانى المشترك، حيث تجد الشعوب الإسلامية نفسها أمام تحدٍّ يتمثل فى فقدان التحكم فى مصيرها نتيجة للتحديات التى تستهدف أنماط العيش فى المجتمعات الإسلامية بسبب تراجع الالتزام بالأخلاق والقيم الإسلامية تحت ضغط العولمة التى تسعى إلى إضعاف الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب ومظاهر الإبداع لديها، فعندما تفقد الأمم والشعوب خصوصياتها الثقافية والإجتماعية نتيجة الاستلاب الثقافى الذى ينشأ عن عدم التكافؤ فى العلاقات بين الدول فإنها تصير مجرد مستهلك للمنتجات التى تفرضها العولمة، ولا شك أن مواجهة الآثار السلبية للعولمة فى مجال التأثير على حق التنوع الثقافى لدى أمم وشعوب العالم إنما تتحقق من خلال تعزيز مظاهر ومجالات التبادل المتكافئ والحوار الندى البناء ونشر ثقافة العدل والسلام لجعل العلاقات بين الشعوب والثقافات والديانات أكثر انسجاما.

3

وأشار الباحث أحمد عادل القضابى إلى أن هناك ثلاث مصادر تفصيلية للوحدة والتنوع فى الحالة المصرية هى ” السياسة، اللغة،  الدين”، فلا يمكن فصل السياسة عن الثقافة كما لا يمكن فصل الثقافة عن السياسة، فكل منهما تقوم بعملية التغذية المرتجعة للأخرى، مؤكدا على حاجة الدولة إلى أن تبسط مركزيتها وترخى لامركزيتها فى تنظيم العمل، كما أنها فى حاجة إلى إعادة استخدام “التنوع كمثل أعلى” فتبسط هيمنتها لحماية الجماعات المختلفة من شوفينيتها ومن همجية البعض الآخر،  وأكد أن اللغة المصرية لم تتغير كثيرًا، لكن الملفت للانتباه، أنه مهما تغيرت اللغة الرسمية للمكاتبة المستخدمة فى المعابد أو الدواوين أو الكنائس، تظل اللغة التى يمارسها الشعب المصرى واحدة، ووحدة لغة الشعب المصرى هى واحدة من مظاهر وحدته الثقافية، وشدد على أن الدين أحد مكونات مركب الثقافة، لا يمكن فصله عنها، ولا يمكن تصور أن الدين هو الثقافة ذاتها، وقد يعتبرنا البعض مغالين إذا قلنا إن الدين يتأثر بالثقافة، لكن ما بالنا نجد أثر الثقافة فى الدين، كما نجد أثر الدين فى الثقافة. والمتأمل للديانة المصرية القديمة وللديانات السماوية التى وفدت إلى مصر، يستطيع أن يكون تصورًا عن وحدة دينية تتسم بالتنوع وقبول الآخر والاختلاف، فالمصريون القدماء تنوعت معبوداتهم بتنوع مظاهر الطبيعة ومظاهر الخطر، لكن ستجد أن رؤية العالم توحدها خطوط عامة مشتركة ثم تتنوع التفاصيل، وكذلك قصة الخلق فى صيغها المختلفة ذات وحدة مشتركة.

اترك رد

%d