“حواديت المآذن ” يكشف التاريخ السري للحجارة

الحضري: صنعتُ للقارئ فخا وسقطتُ فيه!

كتبة : نادية البنا

محاولة لاختراق كتب التاريخ والحكايات المنسية، قام بها الكاتب الصحفي إيهاب الحضري في كتابه الجديد” حواديت المآذن.. التاريخ السري للحجارة”. حيث استغل المساجد كمنصة انطلاق، ليدخل في أعماق قصص مجهولة للكثيرين، فانطلق من مسجد احمد بن طولون، بطرح جوانب من ملابسات إنشائه وحياة مؤسسه، ويناقش قصة الأحلام الثلاثة التي حاول ابن طولون ترويجها، كي يضفي الشرعية على مسجد رفض المصريون الصلاة به في البداية، لأنهم لا يعرفون مصدر تمويل بنائه. ثم ينتقل المؤلف إلى المرحلة الفاطمية، ويستهلها بالحديث عن مسجد الحاكم بأمر الله، الذي اتسم مؤسسه بغرابة الأطوار، وقراراته التي تثير الجدل حتى الآن، مثل منع النساء من الخروج للشوارع، وحظر أكل الملوخية، وينتهي بمناقشة قصة اختفائه الغامض، الذي لا يزال لغزا اختلف المؤرخون حوله، وينقد الحضري روايات المؤرخين، ويرى أنها لا تخلو أحيانا من قصص مُختلقة. وإلى نفس الحقبة ينتمي مسجد الصالح طلائع، والذي تأسس كى يُدفن فيه رأس الحسين، لكنه فشل في الاحتفاظ به لينتقل إلى جامع الحسين، ثم يستعرض المؤلف القصص المتداولة لانتقال الرأس إلى مصر، وبعضها حكايات شعبية تنتمي للخرافة أكثر من كونها حقائق تاريخية، خاصة مع وجود أكثر من ضريح في عدة دول، يزعم مريدو كل منها أنه يضم رأس الحسين.
وفي المرحلة المملوكية يتناول الحضري سباق السلاطين والأمراء في مباريات تشييد المنشآت الدينية، رغم أن معظم من بنوها تورطوا في مؤامرات سياسية دموية، وصراع على الحكم أدى إلى أن يقتل المؤيد شيخ ابنه، لينتقل الحكم بعد فترة إلى ابنه الآخر، رغم أن عمره لا يتجاوز عاما وثمانية شهور، فأقسم له الأمراء بالطاعة وهو في حِجر مُرضعته! ويستعرض الكتاب أزمة واجهت سلطانا ثانيا، بسبب تحرش مملوك أحد الأمراء بجارية أمير آخر، وتصاعدت الأحداث لتصل إلى محاولة قتل السلطان نفسه. وتعد الحقبة المملوكية هى المسيطرة على الكتاب الذي صدر مؤخرا عن الفؤاد للنشر والتوزيع، حيث تناول خلالها الكثير من المساجد والمدارس، مثل مجموعة المنصور قلاوون، وابنه الناصر محمد وحفيده السلطان حسن، ومساجد عدد من الأمراء مثل قوصون، المرداني، بشتاك، صرغتمش، قراقجا الحسني، قُجماس الإسحاقي، وغيرها من المساجد التي قد لا يعلم الكثيرون بوجودها في القاهرة، وعادة ما يرتبط كل مسجد بقصص تمنح الكتابة عنه جاذبية.
واقتصر الحضور العثماني في الكتاب على 3 مساجد، هى المحمودية، الملكة صفية، وأبو الذهب، فيروي الكتاب قصة اغتصاب الملكة صفية زوجة السلطان العثماني، لمسجد بناه مملوك لها في حارة مُتفرعة من شارع محمد علي، وقد فعلت ذلك عن طريق إحدى محاكم إسطنبول. وخلال حديثه عن مسجد أبو الذهب، يتطرق المؤلف إلى واقعة انقلاب علي بك الكبير على العثمانيين، وانفصاله بحكم مصر، ثم تخلى محمد أبو الذهب عنه وتحالفه ضده مع العثمانيين، رغم أنه كان أحد كبار الأمراء، الذي ساهم علي بك بشدة في رحلة صعوده.
وفي خاتمة الكتاب يقول إيهاب الحضري:” تحفظ الحجارة الكثير من الأسرار، لكنها لسوء الحظ- أو لحسنه- غير قادرة على البوح، لهذا أعترف من جديد، بأن كل ما كتبتُه ليس تاريخا سريا مثلما يدّعي العنوان المُخادع، فكل ما ذكرتُه موجود في صفحات الكتب القديمة، ينتظر فقط من ينفض الغبار عنه. لكن المفارقة أن مضمون الصفحات قد يُناقض بعضه، ربما نتيجة عدم دقة مؤرخ، أو لأن الحياد فريضة غائبة في كل مسارات حياتنا. ورغم ذلك نعيد تداول التناقضات، وأحيانا الأخطاء دون أن ننتبه”. ويطالب بمراجعة حقيقية لكتابات المؤرخين، قبل أن يعترف:” صنعتُ للقارئ فخا، لكنني كنتُ أول من سقطتُ فيه، منذ أن نشرتُ بذور هذه القصص على صفحات رمضانية بجريدة” الأخبار”، فقد استسلمتُ لحواديت منتقاة، عرفتْ كيف تجذبني مثلما لفتت انتباه غيري من قبل، وهو ما اختلف نسبيا عند التدوين في كتاب، حيث انتابتني لحظات وعي مُتفرقة، كنتُ أحاول خلالها الهروب من المصيدة باستنتاجات شخصية، لأوهم نفسي أنني المتحكم الوحيد في خيوط الحكايات. لهذا أقرّ بأنني لم أكن مُخيّرا في انتقاء هذه الحواديت دون غيرها، بل سيّرني التاريخ في ذلك السياق، كي يحاول أن يؤكد أنه يعيد نفسه دائما، بينما نتعامل نحن معه في كل مرة وكأننا أمام وقائع جديدة”.

اترك رد

%d