بطل الرايخ الذي ظلمه التاريخ بقلم/ محمد صلاح الدين

محمد صلاح الدين

إن من الراسخ في قراءة كتاب الأزل – والذي لا يعد اجترارًا – أن “ويل للمهزوم إذا كتب تاريخه المنتصر”، وبالطبع لن يكتب حينها التاريخ إلا المنتصر، وإن المنتصر قد لا يكون الأذكى؛ فللقدر ضرباته الطائشة، ووقع هذه القاعدة أنسب ما يكون مع رجل هز أركان العصر الحديث، وما زال اسمه وسيظل حين يتردد يعني قوة مجد الحرب ألا وهو الزعيم الألماني الجليل “أدولف هتلر”.

وقد شهد صالون “حركة علمانيون” الثقافي ندوة كان موضوعها “ألمانيا الهتلرية” كان المحاضر فيها المهندس الباحث المثقف/ محمد الشناوي، والذي عبر عن سعة صدره وثقافته ومدى إلمامه بشخصية الزعيم النازي الخالد “أودلف هتلر”، ووضعه في مكان يليق به في التاريخ بما تميز به من مواهب عبقرية متفردة، وما كان منه من أخطاء بشرية، بعد أن ظلم التاريخ شخصيته المتفردة ظلمًا بينًا، وخلال هذه المحاضرة عرض الباحث المهندس/ محمد الشناوي لظروف نشأة “هتلر” والعوامل المؤثرة في تركيبة شخصيته وتكوينه الفكري، كما عرض لحال ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وكيف وإلى أي حد وصلت معاناة الشعب الألماني، كما عرض الباحث لكيفية صعود هتلر من بين كل تلك المشكلات حتى تسلم السلطة، ونجح في خلع أظافر خصومه، وصار معشوق ومعبود الشعب الألماني لما قدمه لهم من إخلاص وتفانٍ من أجل بناءة دولة قوية ورخاء للشعب الألماني.

كان أهم محورين استهل بهما الباحث/ محمد الشناوي كلامه أن عرض لكيفية فهم الشخصية الألمانية وكيفية فهم شخصية الزعيم، وذلك عن طريق النظر للفلسفة الألمانية من ناحية وعن طريق النظر لتاريخ الأمة الألمانية، وتحديدًا ما جرى لها خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، وما مرت به من محنة كأمة مهزومة وقعت تحت قبضة “معاهدة فرساي”.

لعل أهم ملمح أضاء عليه الباحث/ محمد الشناوي كان نقطة معاناة هتلر في حياته وشعوره بالألم لوفاة أمه بمرض السرطان؛ مما جعله يشعر أنه سيموت به مثلها، ومن ثم كان يريد أن يصنع كل شيء في حياته قبل أن يموت، ودون أن يجعل مجد ألمانيا مراحل يترك بعضها للأجيال القادمة.

وقد عرفنا من الباحث/ محمد الشناوي أن “أدولف هتلر” ولد أصلاً في النمسا، في قرية تقع على حدود الألمانية النمساوية اسمها (برونو)، وانضم للجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى. أما بدايته السياسية فكانت حين انظم للحزب النازي وكان العضو رقم (7)، بيد أنه عاب عليهم ضعفهم السياسي، حتى إنه وصفهم بنادٍ لشرب الشاي وليس حزبًا سياسيًّا، ومن هذه النقطة وضع لهم من الأفكار والخطط ما جعله يقود زمام الحزب، وعرفنا أيضًا أنه في بداية حياته السياسية قاد انقلابًا وفشل به في الوصول للسلطة، وقد تعلم من هذا الدرس، إلا أنه كانت هناك نقطة مهمة أبرزها الباحث أنه لما حوكم على انقلابه كانت ردوده للقاضي مبهرة جدًّا، عبرت عن مدى حبه لألمانيا، وأنه وإن كان نمساوي المولد إلا أنه ألماني الروح والدم والعقل، حتى إن القاضي انبهر من ردوده ومدى وطنيته، وبعد المحاكمة كانت نهايته الحكم بالسجن، ولما أفرج عنه قرر أن يتخذ الطريق الديمقراطي وسيلة له، وبالفعل نجح إذ بدأ الحزب النازي يشارك بالانتخابات، فبدأ بنسبة قليلة ومع الزمن ارتفعت نسبة مقاعده حتى حصل على الأعلبية في البرلمان الألماني بمباركة الشعب الألماني.

كان أهم عنصر اعتمد عليه “أدولف هتلر” في بزوغ نجمه عنصر الدعاية، ولم تكن بدعاية بلهاء كالتي نعاني منها، ولكنه استعان برجل داهية بمعنى الكلمة مدحًا، وهو “جوزيف غوبلز”، والذي كان يجيد صناعة الإعلام الجمعي الجاذب للجماهير، وهذا يسير بالتوازي مع الإنجازات التي كان يحققها “أدولف هتلر” لشعبه؛ حتى إن “جوزيف غوبلز” كان من الذكاء عندما خطب يجمع الناس للتصويت لصالح “أدولف هتلر” وكان خصمه صاحب التاريخ السياسي الطويل وبطل معركة “تانينبرغ” وهو “هيندنبورغ” وقف ساعتها “غوبلز” لا ينكر فضل “هيندنبورغ” على الأمة وقال: كل الاحترام لهيندنبورغ والتصويت لأدولف هتلر.

كان من النقاط المهمة التي جال فيها الباحث/ محمد الشناوي هي كيف كان “هتلر” يغامر أو بالأحرى يقامر؟ ومن أي نوع من المقامرين كان؟ فقد كان “أدولف هتلر” من نوعية المقامرين الذين يضعون ما في جيبهم كله أمام كل ما هو على طاولة اللعب، وكانت أهم النقاط التي واجهها هتلر الأحزاب والنقابات والتي وجد فرصته في حلها بعد حادثة احتراق البرلمان الألماني ومشكلة الجيش الذي نجح في أن يتخلص من قائده القديم ويضع من يضمن ولاءه، وفوق كل ذلك كانت كتائب العاصفة التي بقوتها صعد للحكم، فكان من الواجب السياسي أن يتخلص من قائدها “إرنست روم”، والذي بالفعل نجح في الإطاحة به وقتله، وعندما سنحت الفرصة لـ “أدولف هتلر” بوفاة رئيس ألمانيا “هيندنبورغ” وكان “هتلر” وقتها مستشار ألمانيا، فإذا به بسرعة يقتنص الفرصة وجمع بين المستشارية والرئاسة في آن واحد، إلى جانب أنه ضمن التخلص من الأحزاب والنقابات، وضمن الجيش وكتائب العاصفة، فتمت له قبضة الملك.

كان “أدولف هتلر” محبوبًا من غالبية شعبه، لدرجة أن بعضهم كان يتسلق إلى شرفته حتى يهديه صحبة زهور، إذ كان الشعب يرى فيه الخلاص لهم مما حاق بهم من مشكلات وكوارث بعد الحرب العالمية الأولى، وكان قد اعتاد أن يشير لهم بأربعة أصابع، بما يعني أنه سيحل أزمة ألمانيا الاقتصادية والتضخم والبطالة التي انتشرت بين الألمان ببشاعة خلال أربعة أعوام، وبالفعل، وكما قلت كانت دعايته توازي إنجازاته فقد صدق شعبه ما وعده.

أما عن النقطة التي ارتبطت باسم الزعيم “أدولف هتلر”، وهي قضية اضطهاد اليهود، فقد أبان عنها الباحث/ محمد الشناوي، وذكر أن مرجع القصة للحرب العالمية الأولى عندما كانت ألمانيا ببراعة جيوشها المنظمة على مشارف النصر لولا أن اليهود تدخلوا، وأرسلوا إلى إنجلترا وفرنسا، بأنهم سيضمون لهما النصر، وسيوعزون إلى أمريكا بأن تدخل الحرب بثقلها الاقتصادي الذي يؤدي لجيش قوي؛ ومن ثم كانت هزيمة ألمانيا ووقوعها تحت معاهدة فرساي المذلة، ومن هذا كان “أدولف هتلر” يرى اليهود عدوًّا للشعب الألماني، وسبب كارثته.

أما عن تعامل “أدولف هتلر” مع الدول المحيطة، فقد كان أوشك قبل الحرب العالمية الثانية أن ينال جائزة نوبل في السلام، بعد أن رفع اقتصاد بلاده وجعل نسبة البطالة في ألمانيا صفر %، وهذا الإنجاز الاقتصادي كان طريق عبوره لضم النمسا إلى ألمانيا، فقد كان الشعب النمساوي متطلعًا للرخاء الذي صنعه في ألمانيا؛ حيث وازن بذكاء بارع بين فكرة الرأسمالية والاشتركية التي تحمي حق العامل والفقير.

وقد أبان الباحث/ محمد الشناوي عن اللحظة الفاصلة التي دخل بها هتلر قلوب الشعب، عندما استعاد حدود ألمانيا غرب الراين، ولما أعلن ذلك بكى أعضاء “الرايخستاج”، وهتف فيهم “هتلر” أنه سيمزق معاهدة فرساي صفحة صفحة، وقد انتهت الندوة بكلام الباحث عن سياسة “هتلر” حين استعاد من تشيكوسلوفاكيا إقليم “السوديت” الألماني أمام خوف وترقب من رئيس وزراء إنجلترا وقتها “نيفيل تشمبرلين” والذي كان خائفًا من ألمانيا، ثم وعده “هتلر” بالسلام على قصاصة ورق صغيرة، ولم يفطن للمستقبل المتوقع غير أحد أعضاء البرلمان الإنجليزي – وقتها – وكان اسمه “وينستون تشرشل”، والذي قال بأن “هتلر” لن يأخذ بعد الذي أخذه إلا بالحرب.

لهذا الجزء أنهى الباحث/ محمد الشناوي محاضرته على وعد أن يكمل تطورات الأحداث وكيف قامت الحرب العالمية الثانية واتجهت من نصر إلى نصر، وانتهت بالهزيمة بعد ذلك، وختامًا ليس المقام مقام إطراء للزعيم الجليل “أدولف هتلر”، فقد كان قائدًا محاربًا سفك الدماء بغزارة وهل التاريخ إلا صفحات سفك دم؟! وارتكب أخطاء فادحة تجاهل فيها آراء أهل النصح والإرشاد وكلنا بشر، ولكن كان الهدف إظهار وجه آخر مضيء طمسه التاريخ لما كتبه المنتصر، وليس أصدق من أن نختم بعبارة “هتلر” ذاته: “كلنا كالقمر له وجه آخر مظلم”.

 محمد صلاح الدين 

اترك رد

%d