العنف ضد المرأة .. رؤية إبداعية للسينما بقلم/ محمد صلاح الدين

محمد صلاح الدين

    السينما كعمل إبداعي تعتبر صورة لحياة الشعوب ومنها ترى أحوال المجتمعات، كما أنها عين فاحصة وعدسة مشخصة لأحوال المجتمعات تظهر ما تشكو منه من أمراض وما تحتاجه من تحليلات، وقد شهدت مصر “مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية”، والذي رفع شعار “أسبوع العنف ضد المرأة الإفريقية”، وذلك عن طريق عرض مجموعة من الأفلام المشاركة في المهرجان هدف مبدعوها إلى عملية رصد وتقديم عن طريق عمل إبداعي يعرض لما تعانيه المرأة في المجتمع الإفريقي من معاناة.

وخلال هذا المقال نعرض لتغطية ليوم من أيام المهرجان حيث كان عرض لفيلمين؛ أحدهما الفيلم الكاميروني (آلما)، وهذه الكلمة تعني بالإسبانية (روح)، ثم كان العرض لفيم دولة ليسوتو واسمه (موسونجوا)، والفيلمان تعرضا لقضية المرأة في المجتمع الإفريقي وما تلاقيه من اضطهاد خلال ظروف الحياة الإفريقية القاسية والمجتمع الذي تنعدم فيه سيادة القانون، ويصير فيه الاحتكام للقوة العضلية البدائية.

في الفيلم الأول (آلما) نجد أن بطلة الفيلم هي مخرجته ذاتها، والفيلم تدور أحداثه في قرية صيد ريفية بعيدة عن مركزية الدولة، ولعل أهم ما أبرزه الفيلم كان طابع السلبية المجتمعية تجاه الانتهاكات الإنسانية التي تعرضت لها بطلة الفيلم، ففي قرية الصيد الريفية تلك تحيا شابة اسمها (آلما) مع زوجها، ولعل حياتها تبدأ في صورة عادية، وسرعان ما تتطور الأحداث لتصل إلى إيقاع عنيف، عبر مواجهة شرسة بين الزوج وزوجته البطلة، والذي يظل يضربها حتى تموت ودمها يجري إلى جوار طفلها الذي يبكي، والجيران تتابع الحدث في صمت، ومدة الفيلم 22 دقيقة.

أما بخصوص الفيلم الثاني، فكان (موسونجوا) وهو اسم بطلته التي تحيا مع والدها في قرية فقيرة بعيدة عن العاصمة، تعتمد في حياتها على رعي الأبقار؛ ولأن أبقار أبيها رعت في أرض ليست ملكهم، فحسب قوانينهم العرفية يستولي صاحب الأرض على هذه الأبقار حتى يسدد صاحب الأبقار – وهو هنا الأب الفقير – قيمة غرامة باهظة، ولهذا يواجه مشكلة أنه صار كبير السن، وليس له إلا ابنة، مما يجعله يؤلمها بأنها لو كانت ذكرًا يساعده في استعادة الأبقار؛ فتبدأ البنت في محاولة التفاوض مع صاحب الأرض الذي يرفض، فإما المال أو يستولي على الأبقار، وبعد ذلك تقرر أن تعمل كفلاحة أجيرة وتزيد على مدة عملها اليومي؛ لتجمع مالاً أكثر، ولكن المسؤول عن العمل لا يعطيها حقها في الوقت الزائد، في ظل غيبة القانون وصمت المجتمع، فلا يبقى أمامها إلا حسب عاداتهم الاحتكام لمبارزة قتالية بالعصي، وتتعرض لإصابات بالغة وتخسر، وتعيش فقيرة تعمل لتنفق على نفسها وعلى أبيها.

إن أهم ما ميز الفيلمين صمت المجتمع والدولة عن ضياع حق المرأة، ولعل هنا يكمن سر تردي هذه المجتمعات، فالتقدم قانون يقود الناس ومجتمع واعٍ يحفظ كرامة المرأة التي هي أم الرجل وبنته وأخته وزوجه وصاحبته ومحبوبته، ولهذا نجح الفيلمان رغم قصرهما في توصيل تلك الرسالة عن هذا السلبيات الخطيرة الواجب علاجها في المجتمع الإفريقي، حتى يلحق بركاب التقدم.

أما بخصوص فنيات العملين، فإن أحداث الفيلمين جاءت قصيرة ومركزة بما يوحي أننا أمام قصتين قصيرتين، وبخصوص تقنية الإخراج، فقد واجه المخرجان أزمة قلة النفقات في الفيلمين؛ مما أثر بدوره على مشاهد الحركة والعراك وعدم إدخال التقنيات الحديثة عليها، إلا أن المخرجين في العملين عالجا هذه الجزئية بذكاء عن طريق تسريع حركة الكمرة، والحرص على إظهار الأصوات قوية وموجهة، وتحديدًا أثناء ضرب العراك حتى يتلافي قصور القدرة الإنتاجية.

نقل هذا الفيلمان حياة المجتمعين وملامح الطبيعة فيها والأهم من ذلك أن يعرف المشاهد أزمة المرأة الأم التي تعانيها في القارة الأم، وأن يعرف نقاط الخلل الواجب علاجها بداية من الفرد وارتفاعًا وصعودًا حتى الدولة.

بقلم/ محمد صلاح الدين

 

اترك رد

%d