التجربة الروحانية في أعمال الفنان صالح عبد المعطي الجرافيكية بقلم د. أكرم محمد صلاح الدين

 

الفنان صالح عبد المعطى ، من مواليد محافظة الأقصر في عام 1958 ،عضو نقابة الفنانين التشكيلين ، تقلد العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية بجامعة جنوب الوادي.

فنان الصفوة والعامة يمكنك أن تصنفه فنان الصفوة ؛عندما تتعمق في تجربته الفنية وتبحث في جوانبها الفلسفية الروحانية ، أو بمعنى أدق عندما ترى الجانب الأخر للتجربة الفنية ذلك الجانب الذي يقصده الفنان ويسعى لتحقيقه .

ويمكنك أيضا تصنيفه بفنان العامة، وهذا من خلال بساطة ووضوح عناصره وأشكاله ومفرداته ،والمؤثرات البيئة التي اشتغل عليها والواضحة لعامه المتلقين لتجربته الفنية .

فعندما نبحث في تجربة الفنان الروحانية ؛ فهناك عدة براهين تدلنا عليها :

أولا: نسبة إلى عائلة العارف بالله الشيخ أبو الحجاج الأقصرى ، ومن هنا تبدأ تتكون ثقافته الروحانية حول كرامات الأولياء الصالحين ، ومكانتهم وسمو روحهم.

ثانيا : حضور الاحتفال السنوي الذي يسمى “دورة أبو الحجاج” ذات الطابع الخاص والتي تتشابه مع  وعادات وموروثات طقوس احتفال المصريين القدماء بالإله” آمون”  يخرج الناس إلى ساحة مسجد أبي الحجاج الأقصري ويتحركون منها طائفين شوارع الأقصر يذكرون الله وينشدون الأناشيد والتواشيح الدينية ويرتلون القرآن ويمارسون التحطيب والرقص بالخيل وركوب الجمال التي تحمل توابيت من القماش المزركش  ، كل هذا سجله الفنان  في أعماله بأشكال ورموز غير مباشرة ، كان يصف تلك الجموع تحت بطل أعماله لتمثل قاعدة شعبية عريضة تحتفل بالولي أحيانا و تتضرع إلى الله في أحايين أخرى .

ثالثا: نشأته بين أحضان ” المعبد – الكنيسة – المسجد ” ،معبد الأقصر ،  كنيسة أنشأتها قديسة رومانية تدعى “تريزا” ، مسجد جده الشيخ ” أبو الحجاج الأقصرى” ، فوسط هذه الحضارات والديانات الثلاث ؛خرجت تجربته الفنان مصبوغة بالفطرة الروحانية بعيدا عن كل ما هو مادي ، محافظا على وجدان عمله الفني .

رابعا: حكايات الجدات الخيالية ، والقصص الأسطورية القادمة من طاقات المعبد والمقام .

كل هذا كان له أثر في إلهاب مشاعره وتشكيل خياله منذ الطفولة .

تجربته الفنان الروحانية من خلال مفردات وعناصر البناء الفني في أعماله المطبوعة:

بدايتا كان الفنان مخلصا لأبطال أعماله الفنية لا يستغنى عنهم أبدا، كان يحافظ على تجديد رونقهم ويلبسهم الثوب الأبيض بواسطة الضوء في أعماله ؛ فتراهم كائنات نورانية تحدد معالمهم من خلال الظلال المبنية على زاوية مقدارها 45 درجة ، تلك هي زاوية ميل القلم للتهشير والتظليل ، ونفس زاوية رفع اليدين للتضرع والدعاء إلى الله عز وجل .

فكان دائما يضحى بما هو مشتت للروح ، مكتفيا ببطلا واحدا للعمل الفني زاهدا في الألوان وفى نفس الوقت لا تفاجأ عندما ترى اللون الأحمر يقتحم أحد أعماله ، فهذا بالضبط اللون الأحمر الذي تراه في سماء ونيل الأقصر عند غروب الشمس .فتلك الأشياء لاشعورية ولكنها نابعة من تجربة فنية روحانية صادقة .

ومن ناحية أخرى ترى الأثداء في شخوصه الأنثوية بارزه ومؤكده وكأنه ينتظر منها الغوث والمدد كرمز للعطاء والهبة من السماء ، كما مثلها القدماء المصريين في الإله ” نوت Nut” اله السماء. ومن هذا الموقف نتحدث عن تأثر الفنان بالفن الفرعوني الذي جاء تأثرا مختلفا عن غيرة من الفنانين ؛ فلم يكن ناقلا أو مستنسخا ؛ بل كان تأثره من خلال الغوص في أعماق ومغذى ذلك الفن مستخلصا جوهره الروحي رافضا مظهره الخارجي المادي .

ولذلك وصل به إلى مستويات روحية نقية من خلال تجربه فنيه تجريدية جمعت بين العضوي والهندسي في نفس الوقت ببناء فني محكم لم يعتمد كثيرا على الألوان الزاهية  كما ذكرنا سابقا ؛ إنما أعتمد على اللون الأسود بكل دلالاته النفسية والروحانية ، وقيمته الجمالية، ليتعامل به فوق سطح أوراقه بواسطة التهشير والتنغيم الخطي, كانت درجات الأسود تبدأ في رسوم الفنان بنقطة، أو خربشة، وهكذا كانت لوحاته ورسومه تبدأ، ثم تتوالد الخطوط في إرساء عناصر الرسم وبنائه الفني، ومن هنا حول درجات الأسود بطريقة التهشير إلى إيقاع لوني له ما في الألوان من ثراء وحيوية.

تميزت أيضا أعماله بالتصميم القوى والبناء المعماري الهندسي الذي سادت فيه الخطوط المستقيمة والأقواس والدوائر ، وصاغ الفنان أشكاله ومفرداته بطابع سحري مميز وكأنها كتابات ” هيروغليفية ” ، أو طلاسم ” صالحيه” ، ربما أراد بهذا عدم الإفصاح عن مدلولاتها وفك شفراتها وتفسيرها إلا من خلاله ليحتفظ هو فقد بذلك السر.

كتب المقال دكتور / أكرم محمد صلاح الدين – المدرس بكلية الفنون الجميلة

عينه للأعمال الفنية الجرافيكية.

12011010

 

اترك رد

%d