الصناعات الإبداعية كمنتج مادى يعزز القوة الناعمة للدولة بملتقى الخطاب الثقافي

الجلسة الرابعة1

 كتب: عبدالناصر الدشناوى

أقيمت الجلسةالرابعةاللملتقى الدولى لتجديد الخطاب الثقافى بالمجلس الأعلى للثقافة والتى ترأسها د. شاكر عبد الحميد, حيث أشار فيها الى ان الصناعات الثقافية والإبداعية هي أحد المحركات الكبرى للاقتصاد في الدول المتقدمة والنامية، وهو من أسرع قطاعات الاقتصاد نموًا في العالم، وهو قطاع يؤثر على زيادة الدخل وخلق الوظائف وجلب المكاسب، ويمكن أن نحقق مستغلاً أفضل لعديد من الأقطار عبر العالم، وأن نطلق ونحرر اللامكانات الخاصة بالصناعات الثقافية والإبداعية يعني أيضًا تشجيع الإبداع الكلي الخاص بالمجتمعات، ويؤكد كذلك على الهويات المتمايزة للأماكن التي تزدهر فيها، وتحسن نوعية الحياة وتوفر الموارد المطلوبة للحاضر والمستقبل هكذا, فإنه بالإضافة إلى فوائدها الاقتصادية، توفر الصناعات الثقافية الإبداعية أو تؤكد قيمًا غير مالية الطابع تسهم بدورها

لتنمية الشاملة والمستدامة التي تقوم على أساس الأفراد والشعوب ونحن في حاجة للسياسات العامة التي تدعم الأشكال المتنوعة من الإبداع الموجودة في قلب قطاعات الصناعات الثقافية والإبداعية ,                                              واضاف أن وقد كان تيودور أدورنو (1903 – 1969) من أوائل من اهتم بموضوع الصناعات الثقافية الاجتماعية، وكان زميله ماكس هوركهايمر (من أقطاب مدرسة فرانكفورت) أول من حل هذا المصطلح عام 1947.. وقد كان أدورنو ينقذ الرأسمالية الاحتكارية لكنه أدرك أيضًا في الوقت نفسه أنه في ظل هذه الرأسمالية قد أصبح الفن والثقافة موجودين وممتصين أو مستوعبين على نحو كبير داخل الاقتصاد، فأصبح الفن وسيلة لتطور الاقتصاد وازدهاره، وأصبح الاقتصاد وسيلة لرعاية الفن والاستثمار منه – طبعًا هناك تاريخ طويل للصناعات الثقافية بهذا المعنى دون وجود المصطلح(التصوير الفوتوغرافي 1839) كيف أثر على الصحافة والطباعة والقانون والطب ومهد الطريق لظهور السينما، وكيف غيرت شكل الحياة خلال القرن العشرين وما بعده، وهكذا.
في هذه الدراسة نحاول استكشاف الإمكانيات الخاصة بالصناعات الثقافية والإبداعية في مصر والوطن العربي.

الثقافة ومحو الأمية في المجتمع المصرى قائلا: ثم تحدث د, شريف الجيار عن
لما كانت الأمية عبئًا ثقيلاً على كل محاور التنمية القومية المصرية، وكانت الاستراتيجية المصرية الحالية قائمة على الاستفادة من طاقات الشعب، واستخراج مناطق قوته والاعتماد عليها في تنفيذ المشروعات القومية العملاقة المنتظرة والتي تم إطلاقها؛ كان ضروريًّا استخدام الأدوات العصرية الجديدة، والطاقات المهملة من الشباب المصري الفاعل، للقضاء على الأمية، كأخطر مشكلات العصر الحديث التي تواجه الشعب المصري، والدولة المصرية, لذا تأتي هذه الدراسة؛ كي تطرح رؤية استراتيجية للتخلص من الأمية، واستبدالها بالقراءة بالمعنى الواسع والشامل لها، والتي تعني الثقافة، بدءًا من المعنى الضيق لها: القراءة والكتابة، من خلال الإفادة من طاقات شباب الجامعات المصرية..


ثم أضاف شمس الدين يونس نجم الدين, أن هذه الدراسة تهدف  لتقديم صورة عن قرب لمشكلات المؤسسات الثقافية العاملة في السودان، في إدارة التنوع الثقافي، خاصة أنها تعمل في مجتمع متعدد الثقافات، تحاول الورقة من خلال تسليط الضوء على السياسات الثقافية التي تحكم العمل الثقافي في السودان، والتي تؤثر سلبًا على إدارة العمل الثقافي، تعمل الورقة على مقاربة وتقييم عدد من تجارب مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال العمل الثقافي في الإطار المنهجي للدراسة، متخذة من تجربة مركز الفيصل الثقافي نموذجًا, ولما كانت الدراسة في هدفها الأعلى ترمي إلى معالجة مشكلات العمل الثقافي في مجتمع متعدد الثقافات، تحاول الدراسة، ومن خلال إجراءاتها العلمية الإجابة عن السؤال: كيف يدار التنوع الثقافي في السودان وكيف تتغلب المؤسسات الثقافية على العديد من المشكلات التي تواجهها في القيام بمهامها الثقافية بصورة مثلى؟
ومن خلال دراسة النموذج المقترح تسعى بذلك لصياغة نموذج أكثر فاعلية لإدارة العمل الثقافي، آخذة في الاعتبار الجوانب السلبية والإيجابية في تجارب المؤسسات الثقافية وخاصة مركز الفيصل الثقافي.
الدراسة في صورتها هذه تحاول أن تقدم مساهمة في كيفية إدارة التنوع الثقافي من خلال العمل المؤسسي للوصول افضل السبل للتخلص من المشكلات التي تعتري إدارة العمل الثقافي في المجتمعات متعددة الثقافات.

وقال عمار على حسن أن تنبع فكرة الصناعات الإبداعية من تقارب نظري وعملي بين الفنون الإبداعية بوصفها نتاج الموهبة الفردية والصناعات الثقافية باعتبارها منتجًا جمعيًا أو جماهيريًا. ويتم هذا التقارب في ظل تقنيات إعلامية جديدة داخل اقتصاد معرفي، ينتج سلعة مختلفة أو بضائع رمزيةعبارة عن أفكار وصور وتجارب يستهلكها مواطنون متفاعلون بدرجات متفاوتة مع هذا المنتج.

فالمعرفة والأفكار تقود عملية تكوين الثروة والتحديث، حيث تشكل العولمة والتقنيات الجديدة قوام الحياة والخبرة اليومية، في ظل الاعتقاد الجازم بأن الإبداع هو الذي سيقود التغير الاجتماعي والاقتصادي خلال القرن الحالي، وأن الصناعات الإبداعية ستكون عنصرًا مهمًا في تكوين الاقتصادات المتقدمة، وستنشأ طبقة اقتصادية جديدة أفرادها ليسوا من أصحاب الياقات البيضاء ولا الزرقاء مثلما هي الحال بالنسبة لطبقتي العمال والموظفين اللتين تقدمان الخدمات في الاقتصاد التقليدي، ولن تكون لهم ساعات عمل محددة، ولا يمكن إجبارهم على العمل، وإن كانوا لا ينقطعون عن العمل أبدًا، وستنتقل هذه الطبقة من الهامش إلى قلب التيار الاقتصادي السائد، وستسقط الطرق الهرمية التقليدية للتوجيه، والتي تعتمد عليها الإدارة في الوقت الحالي، لتحل محلها أشكال من الإدارة الذاتية، أو التوجيه الناعم، والذي يصاحبه إقرار المساواة والعمل السريع الناجز، وطرق حقيقة من التحفيز.

وبذا تحتاج الصناعات الإبداعية إلى ابتكار ومغامرة وقدرة فائقة على إطلاق مشروعات مختلفة وجديدة، وأصول غير ملموسة، وتطبيقات خلاقة للتقنيات الجديدة، ويتم هذا في إطار مؤسسي قد يكون مدن إبداعية، أو مناطق إبداعية.

ويمكن لهذه المشروعات أن تذهب في طريق تحقيق عوائد اقتصادية جمة، ويمكنها أن توظف في سبيل تحقيق غايات اجتماعية وسياسية مهمة. ففي الشق الأول مثلاً انتبهت الدول المتقدمة صناعيًا في أواخر القرن العشرين إلى الأهمية الاقتصادية البحتة للصناعات الإبداعية، وما إن بدأ القرن الجديد حتى أخذت تجني ثمار انتباهها، فقد قدر صافي عائدات صناعة حقوق النشر الأمريكية بحوالي 791.2 مليار دولار أمريكي عام 2001، وهو ما عادل وقتها نحو 8% من إجمالي الناتج القومي، ويعمل بها 8 ملايين عامل، ويبلغ إسهامها في الصادرات الأجنبية نحو 89 مليار دولار، وهو ما يفوق إسهام الصناعات الكيميائية، والسيارات، والطائرات، وقطاع الزراعة، والقطع الإلكترونية، والكمبيوتر. وفي بريطانيا، قُدرت عوائد الصناعات الإبداعية في العام نفسه بحو 122.5 مليار استرليني ويعمل بها 1.3 مليون شخص، وتسهم بـ10.3 مليار جنيه من الصادرات، وتشكل 5% من الناتج القومي الإجمالي.

أما بالنسبة للشق الثاني فإن المستثمرين الثقافيين بوسعهم أن يلعبوا دورًا حاسمًا في تعزيز التماسك الاجتماعي، وتقوية الشعور بالانتماء، فالفن والثقافة والرياضة بوسعها أن توفر ملتقيات راسخة وفسيحة لأشخاص يعيشون في مجتمع يزداد تباينًا وانقسامًا وتفاوتًا مزريًا، وكانت تلك الملتقيات يوفرها فيما مضى العمل أو الدين أو النقابات. وليس معنى هذا أن تلك المسارات الثقافية تشكل بديلاً للملتقيات التقليدية تلك إنما يمكن أن تعمل إلى جانبها وتعزز دورها، وتخدم معها عملية تعميق الانتماء للدولة الوطنية والقيم والرموز الاجتماعية السائدة، والتي تعمل على صهر الجماعة الوطنية في بوتقة مكينة ومتينة.

من هنا فإن صناع السياسة يجب أن يمتلكوا القدرة على تخيل ما للصناعات الإبداعية من دور في تعزيز السياق الذي يغذي المدنية والديموقراطية والدولة الوطنية، أو يستعينوا بمن لديهم هذه القدرة على التخيل، بحثًا عن مسارات وشبكات وأدوات جديدة تساعد الدولة على أداء وظائفها وتعطي النظام السياسي قدرة فائقة على تبرير وجوده واستمراره.

ليس معنى هذا أن تستخدم الصناعات الإبداعية كجزء من عملية تدجين وتنميط للمجتمع، وتكون أشبه بحالات التثقيف التي تقوم عليها النظم الشمولية والمستبدة والمؤدلجة، إنما يتم الحوار مع القائمين على هذه الصناعات بحيث تعمل في الاتجاه الإيجابي، ليس فقط فيما تدره من عائد اقتصادي، إنما فيما توجده من قيم وتصورات تعمل في اتجاه الخيرية والتماسك والتنوير وتحسين شروط المعيشة بما يؤدي إلى التقدم في الحياة.

لكن كيف يمكن أن تسهم الصناعات الإبداعية في تعزيز القوة الناعمة للدولة المصرية؟

ابتداءً فإن زحام التنافس الشديد بين الدول الكبرى في العالم لا يغلق على المكانة السياسة والاقتصادية والعسكرية الطريق تمامًا أمام أي دولة راغبة في أن تنحت لها دورًا سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، لكن على النخبة السياسية في هذه الدولة أن تجلس قليلاً أو كثيرًا لتتخيل هذا الدور، وتوظف إمكاناتها المادية والبشرية والعلمية في تحقيقه.

وهذا الأمر ينطبق على مصر، الذي سأطبق هذه النقطة في وظيفة الخيال السياسي عليه لحاجته الماسة إليها أكثر من أي نقاط سبق ذكرها، فنحن قدنا معارك التحرير في منتصف القرن العشرين ضد الاستعمار لنجد أنفسنا الآن منهكين بفعل تعثر الثورات والانتفاضات، وتوحش التيارات الدينية المتطرفة، بعد أن عانينا طويلاً من فساد واستبداد صاحب مرحلة ما بعد الاستقلال، ونابنا في هذا بعض ما ناب دولاً عربية، أخفقت في تحقيق التكامل الوطني والانصهار الاجتماعي الطوعي عبر الديموقراطية والتنمية والعدل الاجتماعي وحقوق المواطنة، وتركت الدول هشة في مواجهة أي تقلبات تهز أركانها الاجتماعية على أساس طائفي أو عرقي أو جهوي أو طبقي أو أيديولوجي.

وبمرور السنين تغيرت موازين القوى، وتراجعت قوتنا، مع العرب أجمعين، الذين كان يقال إنهم القوة السادسة في العالم عسكريًا قبل خمسة عقود فقط، لتصبح إمكاناتهم مجتمعة في التسليح أقل من إسرائيل، وفي الاقتصاد أضعف من إسبانيا، وفي عالم الترجمة والنشر أدنى من دولة أوروبية صغيرة فقيرة هي اليونان، أي أنهم فقدوا، إلى حين، القدرة على أن يجعلوا من أنفسهم رقمًا ذا بال في المعادلة الدولية.

وكان هناك منطقان لإيجاد هذا الرقم الأول هو انتظار مشروع كبير وشامل. أما الثاني فكان يحتاج إلى خيال لم يتأتَّ حتى الآن، يدفع في اتجاه الانتقال من إدارة المعارك الكبرى في عالم الحرب والمال، إلى الصغير من المعارك، لجني فوائد سريعة ترمم بعض الشروخ التي مزقت البنيان على مدار العقدين الأخيرين، وتخلق أفقًا جديدًا أمام كتلة بشرية وجغرافية ولسانية ودينية غالبًا، صار ينظر إليها، حتى من بين أبنائها بأنها بلا مستقبل.

فبدلاً من انتظار لحظة تاريخية فارقة نستعيد فيها جزءًا من مجدنا الضائع وحضارتنا العظيمة التي أهدت الدنيا عطايا مادية لا تنسى، ونفحات روحية لا تزال متوهجة، علينا أن نعمل بجد واجتهاد في سبيل تحسين أوضاعنا الراهنة، أو على أقل تقدير الحيلولة دون تدهور أحوالنا إلى الحد الذي يخرجنا تمامًا من زمام التاريخأو يؤدي إلى إعلان وفاتناحسب ما قال الشاعر الشهير نزار قباني ذات يوم بقصيدة بكائية أبدعها في لحظة يأس جارف، تصور فيها أن الغد سيكون، بالضرورة، أسوأ من اليوم، وأن العروبة تسير، لا محالة، إلى ذهاب أبدي.

إن معطيات التاريخ تهدي إلينا حكمة عميقة وناصعة عن أمم لم تقعدها، الهزائم الكبرى أو النكسات الشاملة والوهن العام الذي تمكن منها حتى النخاع، عن محاولة كسب النزال المحدود والاشتباك المحدد مع وقائع حياتية جانبية، نراها صغيرة وهي من عظائم الأمور، حتى خرجت من ضيق إخفاقها إلى براح الإنجازات العريضة، التي دفعتها إلى مقدمة الصفوف، بعد أن كانت قبل عقود في عداد الأمم المغيبة عن التدفق الرئيسي لحركة العلاقات الدولية.

 ولعل ما مرت به الصين والهند، مثلاً لا حصرًا، يدلل على هذا الأمر بجلاء لا يشوبه غموض، ووضوح لا يصيبه لبس، ولم يكن بوسع هاتين الدولتين الكبيرتين أن تنطلقا إلى مصاف القوى العظمى في العالم لولا أن نخبة الحكم والقوة الفاعلة امتلكتا قدرة هائلة على تخيل أدوار من عدم، ثم الانتقال من هذا الخيال الإيجابي الخصب إلى وضع استراتيجيات للتقدم في الحياة.

فالصين ما ظن أحد أنها ستفيق من حرب الأفيون، وتسترد وعيها، وتطلق طاقتها في اتجاه المزاوجة بين ما في القيم التقليدية الكنفوشيوسية من جوانب أخلاقية إيجابية وما في ثورتها الحمراء من اتجاه صارم وقوي إلى تهيئة المجتمع لحياة عملية مختلفة، ثم تقرر، بعد الدخول في جدل عميق حول الملامح النهائية للأيديولوجيا وحدود التفاعل المرن مع العالم، أن تخط لنفسها بثقة طريقًا مستقيمة، جنت منها ثروة طائلة، وحققت لبكين وجودًا اقتصاديًا، ومن ثم ثقافيًا وسياسيًا أحيانًا، في كل مكان على سطح الأرض.

ولم تشأ الصين أن تستمر في مناطحة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في عالم التسلح الرهيب، بل امتلكت فقط في هذه الناحية ما يكفي للدفاع عن سيادتها الوطنية، ولم تجار القطبين الكبيرين إبان الحرب الباردة في بلوغ أجواز الفضاء الرحيب، بل قررت أن تبدأ من مجال هامشي ضئيل في عالم المال والقوة، لكنه بالغ التأثير في دنيا الحضور الثقافي والرمزي، ثم الاقتصادي فيما بعد، وهو صناعة لعب الأطفال، التي لم تلبث أن اتسعت لتطوق مجالات صناعية تلبي الاحتياجات اليومية البسيطة للفرد والأسرة في أرجاء العالم كافة، من ملبس وأدوات كتابية وزينة وهداياالخ، وأنجزت في هذه الناحية إلى الدرجة التي تثير حنق وحقد الولايات المتحدة.

أما الهند، التي اختارت العصيان المدني طريقًا للمقاومة في أداء عبقري قاده رمزها العظيم المهاتما غاندي، فإن توصلها إلى السلاح النووي لردع غريمتها التاريخية باكستان لم يدفعها إلى التلويح بهذه القوة الخشنةطريقًا لحيازة مكانة دولية، بل التفتت إلى إدارة معركة صغيرة كان انتصارها فيها مظفرا، بكل المقاييس، إلى درجة أن الدولة التي كانت تحتلها وهي بريطانيا، باتت في حاجة ماسة إلى الاستفادة من مظاهر هذا النجاح الهندي.

والمعركة التي اختارتها الهند بدأت بالسينما والموسيقى ووصلت الآن إلى عالم الاتصالات والبرمجيات. فإذا كانت الموسيقى الهندية قد اكتسبت شهرة عالمية بتفردها وسحرها وعذوبتها وخصوصيتها التي تنبت من ذائقة الهنود ووجدانهم، فإن سينما الهند خطت طريقها باقتدار، وفرضت أسواقها، ونافست السينما الأميركية في آسيا وأفريقيا، على وجه الخصوص، وباتت تشكل مصدرًا مهمًا من روافد الدخل القومي للبلاد، في وقت يزيد فيه الطلب يوم إثر يوم على مهندسي ومبرمجي الكومبيوتر الهنود للعمل في أرفع المؤسسات الاقتصادية والعلمية الأوروبية.

على النقيض من ذلك يقع الخطاب السياسي والثقافي المصري، على اختلاف المناهل الفكرية والأيديولوجية التي ينبع منها، في فخ الينبغيات العريضة، فهو يطالب بمشروع نهضة كاملة وتمكن واسع ينتج مكانة وقوة دولية بارزة، دفعة واحدة، وفي سرعة فائقة، حتى بعد انهيار بعض الدول العربية ودخولها في نفق الصراع السياسي والمذهبي.

وهذا الطرح لا يعبر عن طموح بقدر ما يشي بتجاهل حركة الواقع وسنن التاريخ، وجهل في قراءة الإمكانات الراهنة، فتكون نتيجته إما الاستسلام للبقاء في الظل واستمراء الضعف والهوان والتفكك بعد تكرار الفشل في تحقيق نجاح كاسح دفعة واحدة، أو الميل إلى التفسير التآمري لكل شيء، وكأن العالم لا شغل له سوى الكيد لنا، وهذا يتم تحت وطأة خيال كسيح، لا سيما أن القادرين على التخيل مستبعدون من صناعة القرار في أي مجال ولأي اتجاه.

وقد نكون معذورين جزئيًا في استعجالنا وإحساسنا بأن هناك ما يدبر ضدنا في الخفاء، لكن العيب أن يتم تضخيم هذا العذر، ليصبح بمثابة مرض نفسي عضال، يكرس حالة الهروب من مواجهة التفاصيل اليومية، أو تجاهل مسائل مهمة صغيرة، وصغرها ليس طبعًا ولا طبيعة أصيلة فيها وإنما نتاج قيامنا بتهميشها بإرادتنا، وانحيازنا في الوقت نفسه لحساب الكلياتالكبيرة، التي هي بنت الأيديولوجيا أكثر من كونها الإفراز الطوعي للواقع الذي يتبدل باستمرار.

لقد حان الوقت لنا، الشعب قبل النظام والناس قبل الحاكم، أن نلتفت إلى المعارك الصغيرة فنخوضها بثقة واقتدار، بدءًا من معركة تغيير الصورة النمطية المغلوطة عنا، والتي تطفح بها مناهج التعليم ووسائل الإعلام، وانتهاء بتقديم إسهام ولو بسيط في حركة الحياة المائجة.

 

ثم جاءت كلمة عصام السعيد عن الكتابات والخطوط كمدخلاً للصناعات الثقافية الإبداعية

 

فقال تعد الكتابات والخطوط ومحاولة اكتشاف تطورها في مصر، واستعراض المراحل المختلفة منذ بدايتها كنقوش حتى حروف التاج المصري، وإظهار نتاجها اللغوي والفني من الأمور المهمة لفهم المركب والوعي الثقافي المصري، وتتناول ورقة العمل مجموعات مختلفة من الكتابات والنقوش بهدف تنمية الوعي الثقافي للمجتمع ولتكون مدخلاً للصناعة الإبداعية في مصر. في الوقت الذي تؤكد فيه الشواهد الأثرية التي تم الكشف عنها في أبيدوس صعيد مصر أن المصريين عرفوا أنظمة الكتابة المصورة منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد تقريبًا في العام 3400 قبل الميلاد، وكانت الكتابة في تلك الفترة عبارة عن علامات تصويرية مجردة تعبر عن المدلول التصويري للعلامة، فلم يكن هناك أجرومية للكتابة أو حتى جمل نصية طويلة، ظهرت على أرض مصر العديد من الكتابات الأخرى فظهرت الكتابة المسمارية، وهي نظام كتابي لتدوين اللغة الأكادية التي كان ينطق بها أهل بلاد الرافدين، والكتابة السينائية واليونانية التي أصبحت اللغة الرسمية لمصر في عصر البطالمة وفي منتصف القرن السابع الميلادي فتح المسلمون العرب مصر حيث أصبحت اللغة والكتابة العربية هي اللغة الرسمية، ومع بداية القرن الثامن الميلادي قام العرب بتعريب الدواوين ونشر اللغة العربية، وتستعرض الورقة البحثية بداية الكتابة في مصر القديمة، وإن أهم مصادر دراسة تطور الكتابة في عصور ما قبل الأسرات هي تلك التي عثر عليه في مقبرة أوج بأبيدوس والتي تقدر بحوالي 125 آنية فخارية أو تحديدًا قطع تحمل بقايا كتابات بالحبر، وكذلك حوالي 160 بطاقة صغيرة للتعليق من العظام أو العاج تحمل علامات مخربشة.
وتعتبر الكتابة واللغة في مصر القديمة من أهم سمات تلك الفترة، فقد ترك شعب مصر من ورائه الكثير من الآثار المنقوشة بكتابات تعرف باسم الهيروغليفية المصرية، فلقد استخدم المصريون القدماء هذا النظام من الكتابة التصويرية لتدوين لغتهم وتسجيل كل مظاهر حضارتهم، ويتناول هذا الجزء اللغة المصرية القديمة كلغة أفروآسيوية، اللغة المصرية في العصر الوسيط، اللغة المصرية في العصر المتأخر، الديموطيقية والقبطيةويأتي الكتاب بعد ذلك الحديث عن المخطوطات والنقوش القبطية، ويتناول اللغة القبطية ومراحلها وفن الكتابة القبطية واستخدام الاختصارات بها وكيفية تأريخ المخطوطة ومضمون المخطوطات القبطية، وبعد ذلك محاولات العرب لفك رموز الخط المصري القديم في القرون الوسطى، ويعرض هذا الجزء الأسباب الفنية والدينية لاهتمام العرب بالخطوط القديمة والأسماء العربية للخطوط المصرية القديمة وجهود العرب لفك رموز اللغة المصرية القديمة. وبعد ذلك الحديث عن اكتشاف ونشر حجر رشيد، وهو تم اكتشافه في عام 1799م أثناء الحملة الفرنسية على مصر حيث اعتبر أكثر القطع الأثرية قيمة وأهمية وهو بمثابة الصلة الوحيدة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الحديثة، وبعد ذلك تستعرض الورقة البحثية الكتابات على المخربشات المصرية القديمة، وبعد ذلك الكتابات السينائية المبكرة وهي مجموعة النقوش والكتابات التي عثر عليهابشكل رئيسي في شبه جزيرة,                سيناء                                    
ويعتبر فن الخط العربي محطة مهمة تحكي قصة الفنون المصرية، وهو من أبرز الفنون العربية التي ظهرت في الإبداع الفني الإسلامي، حيث حمل الخط العربي باتجاهاته ومدارسه، الخصوصية الحضارية والإنسانية للفن العربي، بدأ وانطلق فن الخط العربي من الجذور الأولى للكتابة العربية فأبرزت قيمة الكتابةكحامل للنص، فاختلفت مهمته عن الكتابة في الحضارات الأخرى وتميز عليها، في تجاوزه لمهمته الأولى من نقل للمعاني والأفكار، إلى مُهِمَّة جمالية أصبحت غاية بحد ذاتها، ودارسة الخط العربي من العلوم المهمّة في مجالات عدة مثل: اللغويات، والآثار، والنقوش، وتاريخ اللغات، وعلم التاريخ، إلى جانب أنه فن خالص من الفنون الإسلامية ويدخل شريكًا في باقي أنواع الفنون. كل ذلك المحتوى الثقافي والفني الراقي والمهم للكتابات والخطوط الهيروغليفية حتى الكتابات العربية، يجب تحويله ليكون صناعة ثقافية تعكس الوجه الإبداعي لمصر، وهو ما تهدف إليه هذه الورقة البحثية.

 

واشارت هويدا صالح ان 
الصناعات الثقافية والإبداعية تعتبر  من أهم وسائل التنمية المستدامة للنهوض بالمجتمع، وتأتي أهميتها باعتبارها تقوم على الإبداع البشري، حيث يتمكن الإنسان من وضع حلول وأفكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار، حيث تستهدف هذه الحلول المبتكرة التنمية المجتمعية وتعزيز إمكانية ابتكار الأنشطة الثقافية وإنتاجها ونشرها والتمتُّع بها، من أجل دعم وتشجيع الابتكار، لكي نقوم بإنشاء صناعات ثقافية وإبداعية تمكن المجتمع من الاستفادة من رأس المال غير المادي، لكي نفتح أبوابًا أمام المثقفين، للوصول بالخدمات الثقافية إلى المجتمع من ناحية، ودعم الإبداع وحماية المبدعين وضمان حرية التعبير واحترام التنوع الثقافي والديموقراطية وحقوق الإنسان والتعاون الثقافي، من ناحية أخرى، فالمجتمع المصري الذي يملك رصيدًا تاريخيًا وثقافيًا غنيًا ومتنوعًا ويتكون من عدد كبير من المجالات التي تدخل في مجال التراث الثقافي، حيث الثقافة بمعناها الضيق، تحتاج إلى رؤية واستراتيجية ثقافية واضحة وقابلة للتنفيذ بما تتيحه من أنشطة فكرية وإبداعية وفنية، أي أن هذا المعني ينصرف إلى الآداب والفنون بشكل أساسي، ثم إلى بعض أشكال الإنتاج الفكري، وهذا الرصيد الثقافي لم يُستغل بما فيه الكفاية، أو لنقل أن طريقة استخدامه تراجعت، حتى ظهرت أصوات تندد بتراجع القوى الناعمة لمصر، والتي يقصد بها الرأسمال غير المادي من ثقافة وفنون وآداب، ولكن هل فكرة الاشتغال على هذا التراث الذي يمنح مصر قوة وتميزًا في محيطها الإقليمي وفي المحيط الدولي يخضع فقط لإرادة المثقفين أم يحتاج إلى إرادة سياسية فاعلة، تتجسد في وضع استراتيجية للصناعات الثقافية والإبداعية المتوافق بشأنها؟ وهل ثمة رؤية تنبني على تحديد مفهوم هذه الصناعات، وأنواع القطاعات أو المجالات التي تتضمنها؟ لو آمنت المؤسسة الرسمية بأهمية الصناعات الثقافية في تخليق وتجديد الثروات الفكرية والإبداعية وأهميتها في تحقيق ما نصبو إليه من تنمية مجتمعية، لتغيرت النظرة إلى تلك الصناعات باعتبارها رأس مال رمزي وليست خدمات رفاهية تكلف الدولة ولا تضيف لها. إن إطلاق مفهوم الوزارة الخدمية على وزارة الثقافة يجعل الدولة تتعامل معها باعتبارها مجرد خدمات رفاهية لا طائل من وراءها، بل تُبقي الدولة عليها تزلفًا لجماعة المثقفين الذين لا ترغب الدولة في الدخول معهم في معركة ترى أنها معركة مؤجلة، والغريب أن الدولة في أمس الحاجة إلى هذه الفئة التي ترهبها ولا ترغبها في آن واحد. تخوض الدولة الآن معركة ضد الإرهاب، أو هكذا يعلن القائمون على هذا البلد، لكن من يتمعن في الأمر يكتشف أن الدولة تخوض معركة ضد الإرهابيين فقط، أما الإرهاب القائم على الأفكار المتطرفة لا تتعرض له، حتى مفهوم تجديد الخطاب الديني الذي طرح مؤخرًا سكت عنه الجميع، ولم يعد يتطرق له أحد، بل نكاد نرى أن الدولة ترعى الإرهاب، بمحاربة التنوير والتجديد الفكري بسجن المفكرين والمبدعين. لذا لن يستطيع أحد أن يضع آليات للصناعات الثقافية وتطبيقها على أرض الواقع إلا إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية تؤمن بأهمية هذه الصناعات في دعم الخطاب التنويري الفكري الذي يعد وسيلة الدولة لمواجهة الإرهاب، فالإرهاب لا تتم مواجهته بالحلول الأمنية فقط، بل تتم مواجهته بتلك الصناعات الثقافية والإبداعية في مجالات متعددة وفي توازٍ تام، ومن أهم هذه المجالات: السينما، الدراما التليفزيونية، نشر الكتب والتسجيلات الموسيقية والغنائية المنتجة بهدف التسويق الواسع، والبرامج التليفزيونية الثقافية، من خلال آليات التصنيع، بمعنى أن الأمر لا يعتمد فقط على الإرادة السياسية والمثقفين الذين سيسهمون في تحقيق هذه الإرادة، بل يتطلب الأمر رأس مال حقيقي ووسائل إنتاج وتسويق وتوزيع، فثمة منتج فني وإبداعي وثقافي يحتاج إلى إنتاجه أولاً ومن ثم تسويقه ليصل إلى مستحقيه وهم الشعب.

اترك رد

%d