الثقافة والمستقبل فى السياق العربى الأفريقى بالجلسة الثالثة فى “الملتقى الدولى لتجديد الخطاب الثقافى”

                  الجلسة الثالثة (أ) (3)

كتب : عبدالناصر الدشناوى

بدأت فعاليات الجلسة الثالثة (أ) والتى ترأسها بنسالم حميش وزير الثقافة المغربى السابق بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة ، بمشاركة د.أحمد إبراهيم الفقيه من ليبيا، و د.بثينة خضر مكى من السودان، و د.خلف عبد العظيم الميرى رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية السابق، والكاتب الأردنى سعود قبيلات، والكاتب الصحفى بالأهرام د.سعيد اللاوندى، و د.محمد مدحت جابر أستاذ ورئيس قسم الجغرافيا بجامعة المنيا

وجه د. بنسالم حميش وزير الثقافة المغربى السابق التحية للحضور وتأكيده على أهمية المؤتمر، ثم تناول أحمد إبراهيم الفقيه، الذى شارك بورقة عنوانها “عن الثقافة والمستقبل فى السياق العربى الأفريقى”، حيث قال أن الدراسات الحديثة قد أثبتت أن قضية النهضة وتقدم المجتمعات، سؤال ثقافى أكثر منه سؤالاً سياسيًا، واقتصاديًا، كما كانت تقول دراسات سابقة، وهذا السؤال الثقافى ليس معزولاً بالضرورة عن خلفياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أو عن الجغرافيا كمكان، أو مقتضيات العصر، كتاريخ وزمان، أو غير ذلك من معطيات بيئية وعرقية، وغيرها, مؤكدًا أن البنى الثقافية في أفريقيا، التي تم تهديمها خلال المرحة “الكولونيالية”، أنتجت فراغًا لم تستطع الترتيبات الجديدة تعويضه، كما لم تستطع أن تضع بديلاً له، وفى الوقت نفسه صار من الصعب العودة إلى ذلك التراث وبعثه من جديد كما هو، لأن ذلك لن يحل المشكلة، ولن يكون متوائمًا مع روح العصر، وهو على تلك الصيغة القديمة المهجورة، ولقد استطاعت مجتمعات آسيوية في الصين واليابان والهند، أن تحقق هذه المعادلة، وتزاوج بين التراث الثقافي الذي يحفظ لهذه المجتمعات هويتها وشخصيتها وبين روح العصر، وهو ما لم يحصل في بلدان المنطقة العربية والأفريقية عمومًا، وتدعو الورقة إلى إعادة الاعتبار للعامل الثقافي واعتماده أساسًا في المشروع النهضوي الذي تسعى البلدان العربية الأفريقية إلى تحقيقه، ودخول المرحلة القادمة بسياسة ثقافية يكون قوامها الأساسي هذه التوليفة من القيم الدينية الحضارية والمدارس الأدبية والفنية الزاخرة باللون المحلي ونكهة الأرض وعبيرها، والتعليم الذي يستفيد من العصر دون أن يقطع الصلة بالتراث، وصولاً إلى الخطاب الثقافي الجديد الذي لا بناء ولا نهوض ولا تنمية ولا تربية ولا تحرر لعقل الإنسان ووجدانه إلا باعتماده سبيلاً ومنهجًا في سياساتنا، ومنحه الأولوية بعد أن كان مهمشًا مهملاً لحساب عوامل أخرى سياسية واقتصادية وعسكرية، لا ندعو لإهمالها ولكن ندعو إلى أن تأخذ مكانها وتحظى بالعناية والأهمية بعد العامل الثقافي. ولا أجد ختامًا أفضل من وصية الراحل الكبير المفكر الأفريقي على مزروعي الذي كان يقول إن التركيز انصرف إلى التسليح وإلى الموارد المادية وإلى الحسابات الاستراتيجية، وأهملت الثقافة بشكل فادح وفاضح، ولا سبيل إلى تحقيق التوازن المنشود إلا بأن نضع الثقافة في بؤرة الاهتمام والتفكير لكي نحقق النهضة المنشودة.

كما تناولت د.بثينة خضر مكي التى شاركت ببحث عنوانه”الثقافة والمجتمع” حيث أكدت أن الثقافة هي الإناء الجامع الذي تنصهر فيه مجموعة شعوب ودول في بوتقة واحدة تجمعها الثقافة الإسلامية مثلاً تضم في إنائها كل الشعوب التي تدين بالإسلام وشعائره وكيفية تنفيذها يتفقون في هذا – برغم وجود فروقات – على المراسيم العامة في الأخلاقيات والسلوك، والثقافة العربية تضم في إنائها كل المتحدثين باللغة العربية – برغم الفروقات الدينية والإثنية – يجتمعون على استخدام المفردات اللغوية وممارسة طقوس الكلام والكتابة واستخدامها في الفنون الأدبية من شعر ومسرح وغيره.

أما الثقافة المجتمعية، فهي خصوصية هذه التكوينات بكل ما فيها من شمولية بحيث تنصهر في ثقافة مجتمع بعينه كل المكونات العرقية والدينية واللغوية واللهجات المحكية، وثقافة المجتمع تلعب دورًا مهمًا – أكثر من الثقافات الشمولية – في تحديد مميزاته ومدى رقيه وحضارته وهي طريقة الحياة والسلوك والأزياء والفنون والطقوس والشعائر للمجتمع المحدد.

ثم تحدثت عن الثقافة السودانية حيث وصفتها بأنها مجموعة مكونات من العروبة والإسلام والأفرقانية والديانات الأخرى، يختلط في السودان صوت الناي الحزين والعود العربي الرائق المزاج بدقات الطبول الصاخبة القوية الإيقاع، وتتجانس الإثنيات والتقاليد والعادات واللهجات المحكية المختلفة مما يجعل للثقافة السودانية شكلاً مختلفًا وطعمًا مغايرًا عن الدول العربية المجاورة , يضاف إلى ذلك تأثيرات عصور الاستعمار الإنجليزي الطويل الذي ترك تأثيرًا واضحًا على سلوكيات المجتمع السودانى، غير أن الثقافة السودانية تختلف عن ثقافات الدول العربية والإسلامية والأفريقية وإن وجدت بعض السلوكيات المتفق عليها.

أعقب ذلك كلمة للدكتور خلف عبد العظيم الميرى الذى شارك ببحث عنوانه” هل يمكننا تبني مفهوم الثقافة للجميع..!!!” حيث تدور هذه الورقة على فرضيات عدة منها؛ محاولة الإلمام بالثقافة كمفهوم عام ومطلق وشامل؛ شأن السيادة فى المفهوم السياسى، حتى أن البعض يـراها النسيج الكلى من الأفـكار والعـادات والتقاليد والاتجاهات والقيّـم والعمـل والتفكير وغيرها، مما يأتى به من الماضى، ويأخذ به فى الحاضر، أو يطوره للمستقبل، وبرغم هذه الأهمية؛ يوجد افتقار فى بعض مرتكزات التطبيق، ومنها الافتقار الحقيقى فى مجتمعاتنا إلى الثقافة التاريخية، وثقافات عدة تربوية وسلوكية حضارية، ومايترتب على ذلك من سيادة الأنانية، وافتقاد الإيثار والتضحية والتواصل مع الآخرين وغير ذلك، وفقدان التواصل والتفاعلية الوطنية أو الاجتماعية أو الثقافية أوغيرها لدى البعض, مشيرًا لتداعيات ذلك على الأجيال الحاضرة، وتجليات ذلك فى مشكلات عدة منها بروز التفاوتات الفئوية والطبقية ، وعدم التناسق فى النسيج الكلى للمجتمع وغيبة الحلم الجمعى أو القومى، وسريان حالة من الشعور بالاغتراب وفقدان الولاء والانتماء لدى البعض, اختتم حديثه متسائلًا، هل حرى بنا أن نتبنى دعوة قومية شاملة فحواها ” الثقافة للجميع” يلتف ويتكاتف حولها الجميع من سائر الوزارات، ويجرى تنفيذها على المستوى المجتمعى الكلى ، وفى إطار حملة أو مشروع قومى ، وتشارك فيه كافة الجهات التربوية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية والسياسية والإقتصادية والفنية .. إلخ ، بما يُسهم فى نهضة تتسق مع مفهوم الثقافة العام؟

وأشارالكاتب الأردنى سعود قبيلات الذى جاءت ورقته بعنوان ” تجديد الخطاب الثقافى.. أسئلة وتأمُّلات” حيث أثار العنوان الرئيس الذى ينعقد تحته هذا الملتقى («تجديد الخطاب الثقافى»)، فى ذهنه، العديد من الأسئلة الضروريَّة، كما أنَّه فتح أمامه باب التأمّل لعددٍ من القضايا الأساسيَّة,مضيفاً أن الأسئلة التي أثارها هذا العنوان تتعلَّق، أساسًا، بالمفاهيم والمصطلحات المرتبطة به، وذلك لأنَّ أكثر هذه المفاهيم هي مفاهيم متعدّدة الدلالات والمعانى.. يفهمها كلّ إنسان (وكلّ فئة اجتماعيّة) بحسب اختلاف زاوية النظر، واختلاف الميول والمصالح.

أمَّا التأمّلات التى أثارها، فتتعلَّق بالواقع الاجتماعيّ والسياسىّ والاقتصادىّ الذى نتحرَّك على أرضه ونحن نناقش موضوع «تجديد الخطاب الثقافىّ».. ما طبيعة هذا الواقع؟ وما القوى الفاعلة فيه؟ وما المصالح التي تعبِّر عنها تلك القوى؟ وكيف ينعكس ذلك كلّه على الخطاب الثقافىّ وعلى الثقافة بوجهٍ عامّ؟

ويخلص صاحب هذه الورقة، في النهاية، إلى استنتاجٍ مؤدَّاه أنَّنا مقبلون على ظروف محليَّة وإقليميَّة ودوليَّة جديدة، مِنْ شأنها أنْ تفتح الباب أمام تحوّلاتٍ اجتماعيَّة وثقافيَّة وسياسيَّة واسعة؛ الأمر الذى من المفروض أنْ يتبلور في إطاره ليس خطابًا ثقافيًّا جديدًا فحسب؛ بل أيضًا مضامين وبنى ثقافيَّة جديدة وعميقة، ومِنْ هنا، يكتسب هذا الملتقى أهميَّته ورياديَّته، إضافة إلى كونه ينعقد على أرض مصر، الشقيقة الكبرى لكلّ البلاد العربيَّة ورائدتها وحاضرتها، التي نأمل أنْ تعود مجدّدًا إلى الاضطلاع بدورها الطبيعىّ والمطلوب.. خصوصًا بعدما رأينا كم هو هائل حجم الخراب والدمار والويلات الذي أصاب الأمّة منذ تحوّلت دفّة القيادة عن أرض الكنانة وحتَّى هذه اللحظة الصعبة التى تطحننا برحاها.

ثم وجه الدكتور سعيد اللاوندى فى كلمته الشكر للكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة، والدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، على تنفيذ هذا المؤتمر. وقد شارك الدكتور سعيد اللاوندى بورقة عنوانها “تجديد الفكر الثقافى العربى”، الذى أوجز فى حديثه مؤكدًا أنه يعتز بكونه عربى فى المقام الأول، وعلى أننا نعيش ثقافات عربية متعددة، كما طالب ببذل جهد أكبر من كافة الدول العربية وعلى رأسها مصر فى تمديد كافة سبل التبادل الثقافى فى شتى المجالات الثقافية، أمتمنيًا أن تتضافر تلك الثقافات بشكل أكبر مما سيسهم بشكل مباشر فى تجديد الفكر الثقافى العربى وبالتالى تجديد الثقافى فى الوطن  العربى أجمع.

ثم انتقلت الكلمة للدكتور محمد مدحت جابر الذى شارك بورقه عنوانها ” نحو مدخل متكامل للخطاب الثقافى فى مصر” حيث أكد على ضرورة التحديد الدقيق لمفهوم الثقافة ولمفهوم الخطاب الثقافي بوضوح كامل، وضرورة اعتماد الخطاب الثقافي على روافد متعددة بينية وضرورة تغيير الصورة الذهنية التي استقرت لدى البعض أن الثقافة تعني الأدب بفروعه والاهتمام بالموسيقى والفنون التشكيلية لا غير, كما تطرق لأهمية مراعاة الخطاب الثقافى لضرورة فض الاشتباك بين الثقافة الوطنية والأجنبية مما أظهر نوعًا من الثنائية الثقافية وضرورة إسهام الخطاب الثقافى في تجديد الخطاب الدينى، مما يجعل المتلقين للتعليم الدينى أكثر مرونة وتقبلًا للأفكار والرؤى الجديدة، مع الاستفادة من مبادئ ومعطيات الجغرافيا الثقافية, مما يفيد في تطوير وتجديد الخطاب الثقافى وجعله أكثر فاعلية.

ثم اختتم حديثه مشددًا على وجوب التركيز في تجديد وتمحيص الخطاب الثقافي على النشء بدايةً من المرحلة الابتدائية حتى يتم تثبيت أفكار هذا الخطاب لدى المواطن منذ طفولته، مثل التركيز على عادة القراءة لدى الأطفال، كما نرى في البلاد الغربية، وأخذ الجانب الجغرافى فى الحسبان عند تطوير الخطاب الثقافى، فلا ثقافة لشعب معظمه لا يعرف عن جغرافية بلاده الكثير، ومحاولة ربط الجوانب المكانية  فى هذا الخطاب بالجوانب الزمانية لكي تتكون صورة ذهبية ثقافية سليمة لدى الفرد.

اترك رد

%d