أهمية الأخلاق ومفهومها عند علماء اللغة 

      د/ خالد عبدالرحمن ياسين أحمد

أهمية الأخلاق ومفهومها عند علماء اللغة

أولًا: أهمية الأخلاق:

الحمد لله الرؤوف الرحيم، والصلاة والسلام على صاحب الخلق القويم سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الغر الميامين.

اتفق العلماء منذ القدم على أهمية الأخلاق بالنسبة للفرد، والمجتمع، والإنسانية جمعاء واتفقوا على أنَّ الأخلاق تعتبر هدفاً أسمى للتربية والتعليم. كما أنَّ الديانات السماوية على اختلاف أنواعها تدعوا إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة وترغب فيها، وتنهى عن الأخلاق المذمومة وتنفر منها بشتى الوسائل والطرق.

واهتم الإسلام خاصة بالأخلاق الفاضلة اهتمامًا بالغًا، ولعلَّ السبب فيذلك يرجع إلى: أهمية الأخلاق، ولزومها لدوام الحياة وتقدمها سواء من الناحية المادية، أو المعنويةوذلك حق لا ينكره أي إنسان، فلو وُجِد مجتمع من المجتمعات أُهْمِلت فيه الأخلاق الفاضلة، وانتشرت فيه الأخلاق الذميمة من سرقة، ونفاق… إلخ، فكيف يمكن تصور حياة ذلك المجتمع؟! وهل يُطْلق عليه لفظ مجتمع إنساني؟

لذلك أولى الإسلام الأخلاق، والتربية الأخلاقية، والبناء الخُلُقي عناية عظمى وذلك لتربية وتنشئة أبنائه على الأخلاق الكريمة، ودعا إلى العمل دائمًا على تطبيق المبادئ الأخلاقية الإسلامية من صدق، وأمانة، وعدل، ورحمة…، وبهذا السلوك يتشكل المجتمع الإنساني المسلم السليم.

ولابد من الإشارة إلى حقيقتين مهمتين في هذا السياق هما:

أنَّ علماء الأخلاق عرفوا الإنسان بأنَّه: “كائن أخلاقي”، وذلك يرجع إلى كونه الكائن الوحيد من بين الكائنات الذي لا يستطيع أنْ يعيش فيمثل هذه الحياة دون قيم وأخلاق تحكم سلوكه على المستويين الفردي والاجتماعي، وهذا يُعْنِي أنَّ الإنسان بهذا الوصف لديه بالفطرة ضمير يُلْزِمه بالسلوك الأخلاقي.

أنَّ الرسالات السماوية لم تأتِ لتغيير فطرة الإنسان، وإنَّما أتت مؤكدة لها وخير دليل على ذلك قول المصطفى r : “إنَّما بُعِثْت لأتمم مكارم الأخلاق”(أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وقال حديث حسن)، والإسلام حريص كل الحرص على أنْ تكون أوامره، ونواهيه مطابقة للعقل، والمنطق، والحكمة.

ثانيًا: مفهوم الأخلاق في اللغة:

الأخلاق من الكلمات الشائعة التي يتداولها الناس على ألسنتهم ليلاً ونهاراً فيقولون: فلان ذو خُلُق عظيم، وهم يقصدون بذلك ما يتصف به الإنسان من صفات نبيلة تجعله محل تقدير واحترام من الآخرين، وقد وصف الله رسولهr بالخُلُق العظيم فقال: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4]، وقد يُطْلق لفظ “الخُلُق” ويراد به الصفات المذمومة، فيقال: فلان سيئ الخُلُق، ويُقَال: هذه أخلاق سيئة وهكذا.

وتُسْتَعمل الأخلاق لتدل على علم معين موضوعه: أعمال الإنسان وأفعاله. والأخلاق جمع خُلُق، والخُلُق اسم لسجية الإنسان وطبيعته يظهر هذا المعنى،ويتضح من خلال أقوال أهل اللغة؛ يقول ابن منظور: “والخُلُق والخُلْق: السجية. وفيالتنزيل: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4]، والجمع أخلاق، والخُلُق بضم اللام وسكونها هو الدين والطبع، وحقيقته أنَّه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلُق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف قبيحة وحسنة، وتخلق بخُلُق كذا، استعمله من غير أنْ يكون فيفطرته، وفلان يتخلق بغير خُلُقه أي  يتكلفه، وخَاْلَقَ الناسعاشرهم على أخلاقهم، والخُلُق المروءة، ويقال أَخلق فلان: إذا صار ذا أخلاق”.

ويتفق مجد الدين الفيروز أبادي مع ابن منظور فيمعنى الخُلُق لغةً سواء كان بالضمتين أو بضمٍ فسكون وأنَّه يُعْنِي الطبع والسجية والمروءة.ويقول الخليل بن أحمد: “الخُلُق الطبيعة،والجمع خلائق، وقد خُلُق لهذا الأمر فهو خليق له: أي جدير به. والخلاق النصيب من الحظ الصالح، وهذا رجل ليس له خلاق أي: ليس له رغبة فيالخير، ولا فيالآخرة، ولا صلاح فيالدين”.

وفي مختار الصحاح: (خ-ل-ق) الخُلُق بسكون اللام وضمها السجية، وفلان يتخلق بغير خُلُقه أييتكلفه. و(الخَلاق) النصيب، و(الخَلِيقة) الطبيعة.ويكاد يكون المعنى واحد فيالتعاريفالسابقة سواء عند ابن منظور أو غيره، فالخُلُق يُعْنِي السجية والطبع.

وفي المعجم الوسيط والمعجم الوجيز: “الخُلُق: حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خيرٍ أو شرٍ منغير حاجة إلى فكر وروية، والجمع أخلاق. والخَلِيْقَة: الطبيعة يُخْلق بها المرء، وعلم الأخلاق: علم موضوعه أحكامقيمية تتعلق بالأعمال التي توصف بالحُسْن أو القبح (والأخلاقي ) هو ما يتفق وقواعد السلوك.

أما معجم “لالاند” فيعرف الأخلاق بثلاثة تعريفات هي:

مجموعة قواعد السلوك مأخوذة من حيث هي غير مشروطة.

السلوك المطابق للأخلاق، مثلاً حين نتحدث عن تقدم الأخلاق.

نظرية عقلية فيالخير والشر.

أي أنَّ الخُلُق فيمطلق اللغة يستعمل فيعدة معاني أهمها:

الطبــــــــع: وهو يطلق على الخُلُق الفطري ، أي الصفة الراسخة التي جُبِل عليهاالإنسان.

                العــــــادة: وهي الصفة الراسخة المكتسبة بالإرادة عن طريق المران والتدريب.

السجية: وهي تطلق على الفطري والمكتسب معاً، إذا أصبح المكتسبعادة لصاحبه.

ومن خلال التعاريف السابقة للخُلُق يُمْكن إدراك بعض الأمور المهمة:

أنَّ الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية في خِلْقة الإنسان الفطرية أي الصفات الكامنة فيالنفس البشرية.

أنَّ الأخلاق تدل أيضًا على الصفات التي اكتسبها الإنسان وأصبحت كأنها خُلِقت مع طبيعته.

أنَّ للأخلاق جانبانهما:

الجانب النفسي الباطني.

الجانب السلوكيالظاهري.

أي أنَّ الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية، والمكتسبة وله جانبان: سلوكي ظاهري،ونفسي باطني. وللحديث بقية عن الأخلاق وما يتصل بها فتابعونا في المقالات القادمة، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اترك رد

%d