د.خالد عبدالرحمن : الأخلاق ودورها في بناء الفرد ورقي المجتمع

      دكتور/ خالد عبدالرحمن ياسين 

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد المصلحين، ورحمة الله للعالمين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

إنَّ مستقبل الأمم يتضح إلى حدٍ كبير بالظروف التربوية التي يتعرض لها أفراد الجيل الجديد من أبنائها، ولاشك أنَّ التحول الذي تمر به المجتمعات المعاصرة يُلْقِي على التربية، والمدرسة، والمناهج، والأنشطة، والأسرة، ودور العبادة، ووسائل الإعلام مسؤوليات خطيرة أهمها: إعداد الجيل الصاعد، وبناء أخلاقه على أساس من القيم الفاضلة والأخلاق المحمودة.

فالتربية الأخلاقية تعتبر ضرورة من ضرورات الحياة وتنظيم المجتمع، وفي عدم وجودها تسود شريعة الغابة؛ حيث تصنع القوة الحق بدلًا من أنْ يصنع الحق القوة.

وإذا كانت الأخلاق، والتربية الأخلاقية قد نالت الاهتمام قديمًا فإنَّها اليوم أشد احتياجًا لهذا الاهتمام ودراستها دراسة علمية؛ وذلك نتيجة لطغيان المادة، ونتيجة لما أحدثته الثورة العلمية التكنولوجية من إعادة تشكيل الكثير من المعارف والمفاهيم عن الحياة، الأمر الذي أدى إلى التذبذب، وعدم الاستقرار في القيم الموروثة، والمكتسبة على السواء؛ وعدم مقدرة الكثير من الأفراد على التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ.

والحديث عن التربية الأخـــلاقية، أو القيم الأخــلاقية وما يساعد في بنائها حديث قديم ومتجدد في آنٍ واحد، أي يتصف بالأصالة والمعاصرة؛ وقد شغل الفلاسفة، والمفكرين، وعلماء التربية وغيرهم.

وفي المجتمع المعاصر وخاصة في الآونة الأخيرة أصبح الحديث عن انتشار السلبيات الأخلاقية في المجتمع هو الشغل الشاغل للآباء والمربين، والصحف ووسائل الإعلام، وأصبحت هذه السلبيات تمثل باعث قلق، وأصبح الجميع يتساءل عن مصدر الخلل الأخلاقي. 

ومهما كان الأمر فإنَّ بناء الخُلُق يُعْنِي: الوازع الأخلاقي الذي يُعْتبر قوة نفسية داخلية تدفع بالإنسان نحو عمل الخير، وتردعه عن الإتيان بالشر؛ بمعنى تكوين قدرة على اتخاذ القرارات، والقدرة على الاختيار بين البدائل، ولذلك نجد أنَّ مفهوم الأخلاق، أو التربية الأخلاقية التي يتبناها الإسلام ويعمل على نشرها، وتكوينها في نفوس أبنائه أوسع مفهومًا مما جاءت به الديانات السابقة، والفلسفات حتى الآن؛ حيث إنَّ الأخلاق الإسلامية يدخل في إطارها جميع العلاقات الإنسانية حتى علاقة الإنسان بغيره من الكائنات، كما أنَّ المبادئ الأخلاقية الإسلامية في نظر الإسلام تشمل مختلف سلوكيات الإنسان، وتحمل قيمًا مختلفة. 

لذا فحقيقة التربية الأخلاقية في نظر الإسلام: تنشئة الفرد، وتكوينه إنسانًا متكاملًا من الناحية الأخلاقية بحيث يُصْبِح في حياته مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر في كل الأحوال وهذا البناء يحتاج إلى تعليم وتبصير أخلاقي.

ويتأثر السلوك الأخلاقي بكثير من الظروف المحيطة بالإنسان، مثل: التربية المنزلية، والتربية المدرسية، وتأثير غيرهما من مؤسسات المجتمع والتي تشكل في النهاية النظام الاجتماعي، والأخلاقي.

فتؤثر الأسرة في سلوك الأفراد لأنَّها الإطار الذي يحدد تصرفات أفرادها، فالطفل يولد عاجزًا من النواحي: الجسمية، والعقلية، والخُلُقية وفي الأسرة ينال أولى مقومات حياته ونموه؛ فهي تشكل حياة الأفراد، وتضفي عليهم خصائصها، وطبيعتها، وفيها يبدأ الطفل التفرقة بين ما هو صحيح وما هو خطأ، وما هو مباح وما هو محظور من السلوك.

وتأتي بعد ذلك المدرسة كأول مؤسسة تعليمية تربوية نظامية، ولا تقتصر أهميتها على الجانب التعليمي، أو المعرفي فقط بل تمتد لتشمل الجوانب: الأخلاقية، والاجتماعية، والشخصية الأخرى للفرد، والآباء يتوقعون من المدرسة أكثر من كونها مكانًا للتعليم، بل ويزداد احترامهم لها لدورها في تنمية القيم الخُلُقية، والأنماط السلوكية الرشيدة في أبنائهم.

ومن المُسَّلم به أنَّ هناك تربية أخلاقية غير مقصودة موجودة بالفعل في المدرسة، وهذه التربية تحدث دائمًا بصفة مستمرة في الحياة اليومية في المدرسة، من خلال علاقات أفرادها بعضهم ببعض، وما يؤمنون به من قيم، وما يلتزمون به من قواعد وجزاءات.

وكذلك يؤثر في سلوك الأفراد تدريس المواد بما تتضمنه من أهداف، وطريقة، ومحتوى وكذلك مجالات الأنشطة المختلفة داخل المدرسة، وتولي التلاميذ بعض المناصب والمراكز القيادية في الفصل، أو جماعات النشاط وهذه المظاهر لمشاركة الطلاب تهيئ الفرصة لبناء ونمو الأخلاق، والوعى الأخلاقي لديهم، ومن ثم تنمية وبناء التربية الأخلاقية.

ومن المؤسسات المهمة والمؤثرة في التربية الأخلاقية والبناء الخُلُقي: دور العبادة؛ فالمساجد تعتبر أداة لتزويد المسلمين بالمعرفة الدينية، والمبادئ الروحية، والقيم الأخلاقية ليحيا الإنسان حياة كلها عفة وطهارة، وهي تعمل أيضًا على نشر الثقافة الإسلامية، وتثبيت العقيدة، والأخلاق.

 وتأتي جماعة الرفاق وهي من المؤثرات المهمة التي تؤدي دورًا أساسيًا في تربية الفرد، وفي إكسابه كثيرًا من الأنماط السلوكية، وكذلك المؤسسات الإعلامية من صحف ومجلات، وإذاعة، وتلفاز، وقنوات فضائية وتمتاز هذه الوسائل بعدة خصائص تجعلها قادرة على القيام بدور تربوي خطير يؤثر في سلوك الأفراد، وفي اكتسابهم للأخلاق الفاضلة.

مما سبق يبرز دور المؤسسات التربوية بكافة أنواعها، وفروعها [نظامية وغير نظامية] في بناء ونمو الأخلاق عند أفراد المجتمع المعاصر، والتصدي للسلوكيات الخاطئة، ومحاربة السلوكيات المذمومة.

فهذه المؤسسات جميعها من: أسرة، ومدرسة، ودور عبادة، وجماعة رفاق، ووسائل إعلام لها أكبر الأثر في عملية البناء الخُلُقي السليم عند أفراد المجتمع خاصة الصغار، لأنَّ الأخلاق في مرحلة الطفولة تلقائية تظهر من خلال احتكاك الطفل بما حوله من أسرة، ورفاق وغيرهم أما في غيرها من مراحل فهي مُوجَهة.

ولقد سعت معظم الدراسات التي أجريت عن القيم الأخلاقية إلى قياسها عند الناس، فضلًا عن معرفة تطورها عبر فترة زمنية محددة، وخَلُصَتْ بعض هذه الدراسات إلى أنَّ مؤسسات التنشئة الاجتماعية لا تؤدي وظيفتها في إكساب وتنمية القيم الأخلاقية السليمة.

ومن المنطلقات السابقة يمكن القول: إنَّ الاهتمام بالتربية الأخلاقية، وببناء وغرس الأخلاق في نفوس أفراد المجتمع لينعكس ذلك على سلوكياتهم من أعظم غايات التربية والتعليم التي تسعى الأسرة، والمدرسة، ودور العبادة، ووسائل الإعلام وغيرها من مؤسسات والتي توجد في المجتمع وتقوم بعملية التنشئة الاجتماعية سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة على تحقيقها. 

وللحديث بقية عن التربية الأخلاقية والأخلاق ودورها المهم والكبير في بناء الفرد ورقي المجتمع. 

“إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ 

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”

اترك رد

%d